للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ١٧٦ إِلَى ١٧٧]

أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)

هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّأْجِيلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى حِينٍ [الصافات: ١٧٤] فَإِنَّ ذَلِكَ مَا

أُنْذِرُهُمْ بِعَذَابٍ يَحِلُّ بِهِمْ تُوُقِّعَ أَنَّهُمْ سَيَقُولُونَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ أَرِنَا الْعَذَابَ الَّذِي تُخَوِّفُنَا بِهِ وَعَجِّلْهُ لَنَا.

وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ذَكَرَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ فَلُوحِظَ ذَلِكَ وَفُرِّعَ عَلَيْهِ اسْتِفْهَامٌ تَعْجِيبِيٌّ من استعجالهم مَا فِي تَأْخِيرِهِ وَالنَّظْرَةِ بِهِ رَأْفَةً بِهِمْ وَاسْتِبْقَاءً لَهُمْ حِينًا.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَاءُ الْفَصِيحَةِ، أَيْ إِنْ كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِالْعَذَابِ فَإِذَا نَزَلَ بِهِمْ فَبِئْسَ وَقْتُ نُزُولِهِ. وَإِسْنَادُ النُّزُولِ إِلَى الْعَذَابِ وَجَعْلُهُ فِي سَاحَتِهِمُ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ مَكْنِيَّةٌ، شَبَّهَتْ هَيْئَةَ حُصُولِ الْعَذَابِ لَهُمْ بَعْدَ مَا أُنْذِرُوا بِهِ فَلم يعبأوا بِهَيْئَةِ نُزُولِ جَيْشِ عَدُوٍّ فِي سَاحَتِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَنْذَرَهُمْ بِهِ النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَلَمْ يَأْخُذُوا أُهْبَتَهُمْ حَتَّى أَنَاخَ بِهِمْ.

وَذَكَرَ الصَّبَاحَ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَائِقِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا فَإِنَّ شَأْنَ الْغَارَةِ أَنْ تَكُونَ فِي الصَّبَاحِ وَلِذَلِكَ كَانَ نَذِيرُ الْمَجِيءِ بِغَارَةِ عَدُوٍّ يُنَادِي: يَا صَبَاحَاهُ! نِدَاءَ نُدْبَةٍ وَتَفَجُّعٍ. وَلِذَلِكَ جُعِلَ جَوَابُ «إِذَا» قَوْلُهُ: فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ أَيْ بِئْسَ الصَّبَاحُ صَبَاحُهُمْ.

وَفِي وَصْفِهِمْ بِ الْمُنْذَرِينَ تَرْشِيحٌ لِلتَّمْثِيلِ وَتَوْرِيَةٌ فِي اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمُشَبَّهِينَ مُنْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ بِالْعَذَابِ. وَالَّذِينَ يَسُوءُ صَبَاحُهُمْ عِنْدَ الْغَارَةِ هُمُ الْمَهْزُومُونَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ كَانُوا مَغْلُوبِينَ. وَهَذَا التَّمْثِيلُ قَابِلٌ لِتَفْرِيقِ أَجْزَائِهِ فِي التَّشْبِيهِ بِأَنْ يُشَبِّهَ الْعَذَابَ بِالْجَيْشِ، وَحُلُولَهُ بِهِمْ بِنُزُولِ الْجَيْشِ بِسَاحَةِ قَوْمٍ وَمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ ضُرِّ الْعَذَابِ بِضُرِّ الْهَزِيمَةِ، وَوَقْتَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ بِتَصْبِيحِ الْعَدُوِّ مَحِلَّةَ قَوْمٍ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَمَا فَصَحَتْ هَذِهِ الْآيَةُ