للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَحْقِيقِ مَعْنَى الْكَسْبِ الَّذِي وُفِّقَ إِلَى بَيَانِهِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَهُوَ الْمَيْلُ وَالْمَحَبَّةُ لِلْفِعْلِ أَو التّرْك.

[٢٢- ٢٥]

[سُورَة الْقِيَامَة (٧٥) : الْآيَات ٢٢ إِلَى ٢٥]

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥)

الْمُرَادُ بِ يَوْمَئِذٍ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الَّذِي تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ بِمِثْلِ هَذَا ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ [الْقِيَامَة: ١٠] ، وَأُعِيدَ مَرَّتَيْنِ.

وَالْجُمْلَةُ الْمُقَدَّرَةُ الْمُضَافُ إِلَيْهَا (إِذْ) ، وَالْمُعَوَّضُ عَنْهَا التَّنْوِينُ تَقْدِيرُهَا: يَوْمَ إِذْ بَرَقَ الْبَصَرُ.

وَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذَا تَخَلُّصٌ إِلَى إِجْمَالِ حَالِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ سَعَادَةٍ وَأَهْلِ شَقَاوَةٍ.

فَالْوُجُوهُ النَّاضِرَةُ وُجُوهُ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَالْوُجُوهُ الْبَاسِرَةُ وُجُوهُ أَهْلِ الشَّقَاءِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ.

وَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ الْمَعْنِيَّ بِالْفَرِيقَيْنِ مِمَّا سَبَقَ نُزُولُهُ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ عَبَسَ [٤٠- ٤٢] : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ فَعُلِمَ أَنَّ أَصْلَ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَتَصْدِيقُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ

الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ أَصْلَ أَسْبَابِ الشَّقَاءِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَتَكْذِيبُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَبْذُ مَا جَاءَ بِهِ.

وَقَدْ تَضَمَّنَ صَدْرُ هَذِهِ السُّورَة مَا ينبىء بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ [الْقِيَامَة: ٣] وَقَوْلِهِ: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ [الْقِيَامَة: ٥] .

وَتَنْكِيرُ وُجُوهٌ لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّقْسِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: ٧] وَقَوْلِ الشَّاعِرِ وَهُوَ مِنْ أَبْيَاتِ «كِتَابِ الْآدَابِ» وَلَمْ يَعْزُهُ وَلَا عَزَاهُ صَاحِبُ «الْعُبَابِ» فِي شَرْحِهِ:

فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ... وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرْ

وَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ: