بَعْدَ اخْتِيَارِهِ مِنَ الْحُكْمِ مِنْ أَجْلِ الصِّفَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٥] .
وإِلَّا النَّارُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْطَاهُ النَّاسُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْخُلُودِ فِي النَّارِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ عِنْدَنَا.
وَالْحَبْطُ: الْبُطْلَانُ أَيِ الِانْعِدَامُ.
وَالْمُرَادُ بِ مَا صَنَعُوا مَا عَمِلُوا، وَمِنَ الْإِحْسَان من الدُّنْيَا كَإِطْعَامِ الْعُفَاةِ وَنَحْوِهِ مِنْ مُوَاسَاةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ هُنَا بِ صَنَعُوا لِأَنَّ الْإِحْسَانَ يُسَمَّى صَنِيعَةً.
وَضَمِيرُ فِيها يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الدُّنْيا الْمُتَحَدَّثِ عَنْهَا فَيَتَعَلَّقُ الْمَجْرُورُ بِفِعْلِ صَنَعُوا. وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْآخِرَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْمَجْرُورُ بِفِعْلِ (بَطَلَ) ، أَيِ انْعَدَمَ أَثَرُهُ.
وَمَعْنَى الْكَلَامِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ حَظَّهُمْ مِنَ النِّعْمَةِ هُوَ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ بِهِمْ لَا تَعْدُو ذَلِكَ. وَقَدْ
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ فَارِسَ وَالرُّومَ وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمُتْعَةِ «أُولَئِكَ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» .
وَالْبَاطِلُ: الشَّيْءُ الَّذِي يَذْهَبُ ضَيَاعًا وَخُسْرَانًا.
[١٧]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ١٧]
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١٧)
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ. مَوْعِدُهُ
أُغْلِقَتْ مَعَانِي هَذِهِ الْآيَةِ لِكَثْرَةِ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي تَعْتَوِرُهَا مِنْ جِهَةِ مَعَادِ الضَّمَائِرِ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ، وَمِنْ جِهَةِ إِجْمَالِ الْمُرَادِ مِنَ الْمَوْصُولِ، وَمَوْقِعِ الِاسْتِفْهَامِ،