أَيْ وَلَكِنْ شَاءَ مَشِيئَةً أُخْرَى جَرَتْ عَلَى وَفْقِ حِكْمَتِهِ، وَهِيَ أَنْ خَلَقَهُمْ قَابِلَيْنِ لِلْهُدَى وَالضَّلَالِ بِتَصَارِيفِ عُقُولِهِمْ وَأَمْيَالِهِمْ، وَمَكَّنَهُمْ مِنْ كَسْبِ أَفْعَالِهِمْ وَأَوْضَحَ لَهُمْ طَرِيقَ الْخَيْرِ وَطَرِيقَ الشَّرِّ بِالتَّكْلِيفِ فَكَانَ مِنْهُمُ الْمُهْتَدُونَ وَهُمُ الَّذِينَ شَاءَ اللَّهُ إِدْخَالَهُمْ فِي رَحْمَتِهِ، وَمِنْهُمُ الظَّالِمُونَ الَّذِينَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ. فَقَوْلُهُ: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ أَحَدُ دَلِيلَيْنِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُسْتَدْرَكِ إِذِ التَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ فَرِيقًا فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقًا فِي السَّعِيرِ لِيُدْخِلَ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فِي رَحْمَتِهِ وَهِيَ الْجَنَّةُ. وَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُدْخِلُ مِنْهُمُ الْفَرِيقَ الْآخَرَ فِي عِقَابِهِ، فَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا بَقَوْلِهِ: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ لِأَنَّ نَفْيَ النَّصِيرِ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ فِي بُؤْسٍ وَضُرٍّ وَمَغْلُوبِيَّةٍ بِحَيْثُ يَحْتَاجُونَ إِلَى نَصِيرٍ لَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيرٌ، فَيَدْخُلُ فِي الظَّالِمِينَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا لِأَنَّهُمْ سَبَبُ وُرُودِ هَذَا الْعُمُومِ.
وَأَصْلُ النَّظْمِ: وَيُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي غَضَبِهِ، فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى مَا فِي الْآيَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ إِدْخَالِهِمْ فِي غَضَبِهِ هُوَ ظُلْمُهُمْ، أَيْ شِرْكُهُمْ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣] مَعَ إِفَادَةِ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا يَدْفَعُ عَنْهُمْ غَضَبَهُ وَلَا نَصِيرًا يَثْأَرُ لَهُمْ. وَضَمِيرُ (جَعَلَهُمْ) عَائِدٌ إِلَى فَرِيقِ الْجَنَّةِ وَفَرِيقِ السَّعِيرِ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِ كل فريق.
[٩]
[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٩]
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩)
أَمِ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ كَمَا يُقَالُ: دَعِ الِاهْتِمَامَ بِشَأْنِهِمْ وَإِنْذَارِهِمْ وَلْنَعُدْ إِلَى فَظَاعَةِ حَالِهِمْ فِي اتِّخَاذِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ. وَتُقَدَّرُ بَعْدَ أَمِ هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ إِنْكَارِيٍّ. فَالْمَعْنى:
بل أاتخذوا مَنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ، أَيْ أَتَوْا مُنْكَرًا لَمَّا اتَّخَذُوا مَنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ. فَضَمِيرُ اتَّخَذُوا
عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [الشورى: ٦] فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute