[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٤٠]
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠)
تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِهِ الْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: أَفَضَّلَكُمُ اللَّهُ فَأَعْطَاكُمُ الْبَنِينَ وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ الْبَنَاتِ. وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ نِسْبَةَ الْبَنَاتِ إِلَى اللَّهِ ادِّعَاءُ آلِهَةٍ تَنْتَسِبُ إِلَى الله بِالنُّبُوَّةِ، إِذْ عَبَدَ فَرِيقٌ مِنَ الْعَرَبِ الْمَلَائِكَةَ كَمَا عَبَدُوا الْأَصْنَامَ، وَاعْتَلُّوا لِعِبَادَتِهِمْ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا حَكَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً إِلَى قَوْلِهِ: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ [الزخرف: ١٩- ٢٠] .
فَلَمَّا نُهُوا عَنْ أَنْ يَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ خَصَّصَ بِالتَّحْذِيرِ عِبَادَةَ الْمَلَائِكَةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّ عِبَادَةَ الْمَلَائِكَةِ لَيْسَتْ كَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ لِيَتَوَهَّمُوا أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِأَنْ يَعْبُدُوا أَبْنَاءَهُ.
وَقَدْ جَاءَ إِبْطَالُ عِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ بِإِبْطَالِ أَصْلِهَا فِي مُعْتَقَدِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، فَإِذَا تَبَيَّنَّ بُطْلَانُ ذَلِكَ عَلِمُوا أَنَّ جَعْلَهُمُ الْمَلَائِكَةَ آلِهَةً يُسَاوِي جَعْلَهُمُ الْأَصْنَامَ آلِهَةً.
فَجُمْلَةُ أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ إِلَى آخِرِهَا مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الْإِسْرَاء: ٣٩] تَفْرِيعًا عَلَى النَّهْيِ كَمَا بَيَّنَّاهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُشْتَمِلٌ عُمُومُهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ الْخَاصِّ الْجَدِيرِ بِتَخْصِيصِهِ بِالْإِنْكَارِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِبَدَلِ الْبَعْضِ. فَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ وَحَقُّهَا أَنْ تَقَعَ فِي أَوَّلِ جُمْلَتِهَا وَلَكِنْ أَخَّرَهَا أَنَّ لِلِاسْتِفْهَامِ الصَّدْرَ فِي أُسْلُوبِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْحَسَنُ فِي مَوْقِعِ حُرُوفِ الْعَطْفِ مَعَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَام.
وَبَعض الْأَئِمَّة يَجْعَلُ الِاسْتِفْهَامَ فِي مِثْلِ هَذَا اسْتِفْهَامًا عَلَى الْمَعْطُوفِ وَالْعَاطِفِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ وَتَهَكُّمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute