» .
[٣٧- ٤١]
[سُورَة طه (٢٠) : الْآيَات ٣٧ الى ٤١]
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)
جُمْلَةُ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ [طه: ٣٦] لِأَنَّ جُمْلَةَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ تَتَضَمَّنُ مِنَّةً عَلَيْهِ، فَعُطِفَ عَلَيْهَا تَذْكِيرٌ بِمِنَّةٍ عَلَيْهِ أُخْرَى فِي وَقْتِ ازْدِيَادِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِمَحَلِّ الْعِنَايَةِ مِنْ رَبِّهِ مِنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ وُجُودِهِ فَابْتَدَأَهُ بِعِنَايَتِهِ قَبْلَ سُؤَالِهِ فَعِنَايَتُهُ بِهِ بَعْدَ سُؤَالِهِ أَحْرَى، وَلِأَنَّ تِلْكَ الْعِنَايَةَ الْأُولَى تَمْهِيدٌ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الِاصْطِفَاءِ وَالرِّسَالَةِ، فَالْكَرَمُ يَقْتَضِي أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْإِحْسَانِ يَسْتَدْعِي الِاسْتِمْرَارَ عَلَيْهِ. فَهَذَا
طَمْأَنَةٌ لِفُؤَادِهِ وَشَرْحٌ لِصَدْرِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مُؤَيَّدًا فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى [الضُّحَى: ٥- ٨] .
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بلام الْقسم و (قد) لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ، لِأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ، فَتَحْقِيقُ الْخَبَرِ لَهُ تَحْقِيقٌ لَلَازِمِهِ الْمُرَادِ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ عِنَايَةَ اللَّهِ بِهِ دَائِمَةٌ لَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ زِيَادَةٌ فِي تَطْمِينِ خَاطِرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ [طه: ٣٦] .
وَالْمَرَّةُ: فَعْلَةٌ مِنَ الْمُرُورِ، غَلَبَتْ عَلَى مَعْنَى الْفِعْلَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ عَمَلٍ معيّن يعرف بِالْإِضَافَة أَوْ بِدَلَالَةِ الْمَقَامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [١٣] . وَانْتِصَابُ مَرَّةً هُنَا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِفِعْلِ مَنَنَّا، أَيْ مَرَّةً مِنَ المنّ. ووصفها بِأُخْرَى هُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا غَيْرُ هَذِهِ الْمِنَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute