للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة هود (١١) : آيَة ٧٨]

وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)

أَيْ جَاءَهُ بَعْضُ قَوْمِهِ. وَإِنَّمَا أُسْنِدَ الْمَجِيءُ إِلَى الْقَوْمِ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَجِيءِ دأبهم وَقد تمالؤوا عَلَى مِثْلِهِ، فَإِذَا جَاءَ بَعْضُهُمْ فَسَيَعْقُبُهُ مَجِيءُ بَعْضٍ آخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَهَذَا مِنْ إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى الْقَبِيلَةِ إِذا فعله بَعْضهَا، كَقَوْلِ الْحَارِثِ بن وَعْلَةَ الْجَرْمِيِّ:

قَوْمِي هُمْ قَتَلُوا أُمَيْمَةَ أَخِي ... فَإِذَا رَمَيْتُ يُصِيبُنِي سَهْمِي

ويُهْرَعُونَ- بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ- فَسَّرُوهُ بِالْمَشْيِ الشَّبِيهِ بِمَشْيِ الْمَدْفُوعِ، وَهُوَ بَيْنَ الْخَبَبِ وَالْجَمْزِ، فَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ لِأَنَّ أَصْلَهُ مَشْيُ الْأَسِيرِ الَّذِي يُسْرَعُ بِهِ. وَهَذَا الْبِنَاءُ يَقْتَضِي أَنَّ الْهَرْعَ هُوَ دَفْعُ الْمَاشِي حِينَ مَشْيِهِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ تُنُوسِيَ، وَبَقِيَ أَهْرَعَ بِمَعْنَى سَارَ سَيْرًا كَسَيْرِ الْمَدْفُوعِ، وَلِذَلِكَ قَالَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: إِنَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي الْتَزَمُوا فِيهَا صِيغَةَ الْمَفْعُولِ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مُسْنَدَةٌ إِلَى فَاعِلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ. وَفَسَّرَهُ فِي «الصِّحَاح» و «الْقَامُوس» بِأَنَّهُ الِارْتِعَادُ مِنْ غَضَبٍ أَوْ خَوْفٍ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَجُمْلَةُ يُهْرَعُونَ حَالٌ.

وَقَدْ طَوَى الْقُرْآنُ ذِكْرَ الْغَرَض الَّذِي جاؤوا لِأَجْلِهِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ فَقَدْ صَارَتْ لَهُمْ دَأْبًا لَا يَسْعَوْنَ إِلَّا لِأَجْلِهِ.

وَجُمْلَةُ قالَ يَا قَوْمِ إِلَخْ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ جُمْلَةِ وَجاءَهُ قَوْمُهُ، إِذْ قَدْ عَلِمَ السَّامِعُ غَرَضَهُمْ مِنْ مَجِيئِهِمْ، فَهُوَ بِحَيْثُ يَسْأَلُ عَمَّا تَلَقَّاهُمْ بِهِ.

وَبَادَرَهُمْ لُوطٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِقَوْلِهِ: يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ. وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِالنِّدَاءِ وَبِأَنَّهُمْ قَوْمُهُ تَرْقِيقٌ لِنُفُوسِهِمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ تَصَلُّبَهُمْ فِي عَادَتِهِمُ الْفَظِيعَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ [هود: ٧٩] ، كَمَا سَيَأْتِي.