للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٧] ، وَقَوْلِهِ: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فِي آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةَ [١١٩] .

وَإِعْدَادُ الْمُتَّكَأِ لَهُنَّ، وَبَوْحُهَا بِسِرِّهَا لَهُنَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ من خلائلها.

[٣٣، ٣٤]

[سُورَة يُوسُف (١٢) : الْآيَات ٣٣ إِلَى ٣٤]

قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، لِأَنَّ مَا حُكِيَ قَبْلَهُ مَقَامُ شِدَّةٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَسْأَلَ سَامِعُهُ عَنْ حَالِ تَلَقِّي يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِيهِ لِكَلَامِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ.

وَهَذَا الْكَلَامُ مُنَاجَاةٌ لِرَبِّهِ الَّذِي هُوَ شَاهِدُهُمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فِي نَفْسِهِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَهَرَ بِهِ فِي مَلَئِهِنَّ تَأْيِيسًا لَهُنَّ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ مَا تَأْمُرُهُ بِهِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «السِّجْنُ» - بِكَسْرِ السِّينِ-. وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ- بِفَتْحِ السِّينِ- عَلَى مَعْنَى الْمَصْدَرِ، أَيْ إِنَّ السَّجْنَ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَفَضَّلَ السَّجْنَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْأَلَمِ وَالشِّدَّةِ وَضِيقِ النَّفَسِ عَلَى مَا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْمَرْأَةِ الْحَسَنَةِ النَّفِيسَةِ عَلَى مَا فِيهِ منا للذة وَلَكِنَّ كُرْهَهُ لِفِعْلِ الْحَرَامِ فَضُلَ عِنْدَهُ مُقَاسَاةُ السِّجْنِ. فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَحِيصَ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ صَارَ السَّجْنُ مَحْبُوبًا إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُخَلِّصُهُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فَهِيَ مَحَبَّةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ مُلَاءَمَةِ الْفِكْرِ، كَمَحَبَّةِ الشُّجَاعِ الْحَرْبَ.

فَالْإِخْبَارُ بِأَنَّ السِّجْنَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْمَرْأَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِنْشَاءِ الرِّضَى بِالسِّجْنِ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّبَاعُدِ عَنْ مَحَارِمِهِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي إِخْبَارِ مَنْ يَعْلَمُ مَا فِي

نَفْسِهِ فَاسْمُ التَّفْضِيلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا دَاعِيَ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِمَسْلُوبِ الْمُفَاضَلَةِ.