يُعَلَّقْ بِالْعَذَابِ كَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ السَّجْدَةِ [٢٠] وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَبَرَ عَنْهُ هُنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ وَقَدْ أَذِنَ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ وَشَاهَدُوهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى آنِفًا: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ [سبأ: ٣٣] فَإِنَّ الَّذِي يَرَى هُوَ مَا بِهِ الْعَذَابُ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ [٢٠] فَهُوَ قَوْلُ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلِاهْتِمَامِ وَالرِّعَايَةِ على الفاصلة.
[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٤٣]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣)
انْتِقَالٌ مِنْ حِكَايَةِ كُفْرِهِمْ وَغُرُورِهِمْ وَازْدِهَائِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ بِأُصُولِ الدِّيَانَةِ إِلَى حِكَايَةِ تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِحِكَايَةِ تَكْذِيبِهِمُ الْكِتَابَ وَالدِّينَ الَّذِي جَاءَ بِهِ فَكَانَ كَالْفَذْلَكَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرِهِمْ.
وَجُمْلَةُ إِذا تُتْلى مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيَوْمَ نحشرهم جَمِيعاً [سبأ: ٤٠] عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ. وَضَمِيرُ عَلَيْهِمْ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [سبأ: ٣١] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
وَإِيرَادُ حِكَايَةِ تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَيَّدَةً بِالزَّمَنِ الَّذِي تُتْلَى عَلَيْهِمْ فِيهِ آيَاتُ اللَّهِ الْبَيِّنَاتِ تَعْجِيبٌ مِنْ وَقَاحَتِهِمْ حَيْثُ كَذَّبُوهُ فِي أَجْدَرِ الْأَوْقَاتِ بِأَنْ يصدقوه عِنْدهَا لِأَنَّهُ وَقْتَ ظُهُورِ حُجَّةِ صِدْقِهِ لِكُلِّ عَاقِلٍ مُتَبَصِّرٍ.
وَلِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الظَّرْفِ وَالتَّعْجِيبِ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ قُدِّمَ الظَّرْفُ عَلَى عَامِلِهِ وَالتَّشَوُّقِ إِلَى الْخَبَرِ الْآتِي بَعْدَهُ وَأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْبُهْتَانِ وَالْكُفْرِ الْبَوَاحِ.
وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ آيَاتُ الْقُرْآن، ووصفها بالبيّنات لِأَجْلِ ظُهُورِ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لإعجازها إيَّاهُم عَن مُعَارَضَتِهَا، وَلِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مَعَانِيهَا مِنَ الدَّلَائِلِ الْوَاضِحَةِ عَلَى
صدق مَا تَدْعُو إِلَيْهِ، فَهِيَ محفوفة بِالْبَيَانِ بِأَلْفَاظِهَا وَمَعَانِيهَا.