وَيَخْرُجُ مِنَ النَّهْيِ قَوْلُ الرَّجُلِ لِآخَرَ: أَنْتَ أَبِي وَأَنَا ابْنُكَ عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ وَالتَّقْرِيبِ وَذَلِكَ عِنْدَ انْتِفَاءِ اللَّبْسِ، كَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ يُرَقِّقُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ:
إِنَّمَا أَنْتَ وَالِدٌ وَالْأَبُ الْقَا ... طِعُ أَحَنَى مِنْ وَاصَلِ الْأَوْلَادِ
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً [الْأَحْزَاب: ٢٤] تَعْلِيلُ نَفْيِ الْجُنَاحِ عَنِ الْخَطَأِ بِأَنَّ نَفْيَ الْجُنَاحِ مِنْ آثَارِ اتِّصَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ بِخَلْقِهِ.
[٦]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٦]
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦)
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ [الْأَحْزَاب: ٤] وَقَوْلَهُ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [الْأَحْزَاب: ٥] كَانَ قَدْ شَمِلَ فِي أَوَّلِ مَا شَمله فِي أول مَا شَمِلَهُ إِبْطَالَ بُنُوَّةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ بِحَيْثُ يُثِيرُ سُؤَالًا فِي نُفُوسِ النَّاسِ عَنْ مَدَى صِلَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِنَبِيئِهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهل هِيَ علاقَة الْأَجَانِبِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ سَوَاءٌ فَلِأَجَلِ تَعْلِيمِ الْمُؤْمِنِينَ حُقُوقَ النَّبِيءِ وَحُرْمَتَهُ جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُبَيِّنَةٌ أَنَّ النَّبِيءَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ أَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمن تَفْضِيلِيَّةٌ.
ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَنْفُسَ مُرَادٌ بِهَا جَمْعُ النَّفْسِ وَهِيَ اللَّطِيفَةُ الْإِنْسَانِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي [الْمَائِدَة: ١١٦] ، وَأَنَّ الْجَمْعَ لِلتَّوْزِيعِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ آيِلٍ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأَنْفُسِ، أَيْ: أَنَّ النَّبِيءَ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِ، أَيْ: هُوَ أَشَدُّ وِلَايَةً، أَيْ: قُرْبًا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ قُرْبِ نَفْسِهِ إِلَيْهِ، وَهُوَ قُرْبٌ مَعْنَوِيٌّ يُرَادُ بِهِ آثَارُ الْقُرْبِ مِنْ مَحَبَّةٍ وَنُصْرَةٍ. فَ أَوْلى اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْوَلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ، أَيْ: أَشَدُّ قُرْبًا. وَهَذَا الِاسْمُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْأَحَقِّيَّةِ بِالشَّيْءِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ متعلّقه بِبِنَاء الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُلَابَسَةِ. وَالْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ: أَوْلَى بِمَنَافِعِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ بِمَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، فَهَذَا الْمُضَافُ حُذِفَ لِقَصْدِ تَعْمِيمِ كُلِّ شَأْن من شؤون الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute