وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ مَا يَعْتَرِضُهُمْ مِنَ الشَّجَا فِي حُلُوقِهِمْ بِهَذَا الدِّينِ طُغْياناً لِأَنَّ الطُّغْيَانَ هُوَ الْغُلُوُّ فِي الظُّلْمِ وَاقْتِحَامُ الْمُكَابَرَةِ مَعَ عَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِلَوْمِ اللَّائِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ.
وَسَلَّى الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فَالْفَاءُ لِلْفَصِيحَةِ لِتَتِمَّ التَّسْلِيَةُ، لِأَنَّ رَحْمَةَ الرَّسُولِ بِالْخَلْقِ تُحْزِنُهُ مِمَّا بَلَغَ مِنْهُمْ مِنْ زِيَادَةِ الطُّغْيَانِ وَالْكُفْرِ، فَنَبَّهَتْ
فَاءُ الْفَصِيحَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مَا بَلَغُوا إِلَّا مِنْ جَرَّاءِ الْحَسَدِ لِلرَّسُولِ فَحَقِيقٌ أَنْ لَا يَحْزَنَ لَهُمْ. وَالْأَسَى الْحُزْنُ وَالْأَسَفُ، وَفِعْلُهُ كَفَرِحَ.
وَذُكِرَ لَفْظُ الْقَوْمِ وَأُتْبِعَ بِوَصْفِ الْكافِرِينَ لِيَدُلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَافِرِينَ هُمُ الَّذِينَ صَارَ الْكُفْرُ لَهُمْ سَجِيَّةً وَصِفَةً تَتَقَوَّمُ بِهَا قَوْمِيَّتُهُمْ. وَلَوْ لَمْ يَذْكُرِ الْقَوْمَ وَقَالَ: (فَلَا تَأْسَ عَلَى الْكَافِرِينَ) لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ اللَّقَبِ لَهُمْ فَلَا يُشْعِرُ بِالتَّوْصِيفِ، فَكَانَ صَادِقًا بِمَنْ كَانَ الْكُفْرُ غَيْرَ رَاسِخٍ فِيهِ بَلْ هُوَ فِي حَيْرَةٍ وَتَرَدُّدٍ، فَذَلِكَ مرجّو إيمَانه.
[٦٩]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٦٩]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)
مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ دَقِيقٌ، وَمَعْنَاهَا أَدَقُّ، وَإِعْرَابُهَا تَابِعٌ لِدِقَّةِ الْأَمْرَيْنِ. فَمَوْقِعُهَا أَدَقُّ مِنْ مَوْقِعِ نَظِيرَتِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٢] ، فَلَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبَيَانِ فِي نَظِيرَتِهَا بِمُغْنٍ عَنْ بَيَانِ مَا يَخْتَصُّ بِمَوْقِعِ هَذِهِ. وَمَعْنَاهَا يَزِيدُ دِقَّةً عَلَى مَعْنَى نَظِيرَتِهَا تَبَعًا لِدِقَّةِ مَوْقِعِ هَذِهِ.
وَإِعْرَابُهَا يَتَعَقَّدُ إِشْكَالُهُ بِوُقُوع قَوْله: وَالصَّابِئُونَ بِحَالَةِ رَفْعٍ بِالْوَاوِ فِي حِينِ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ إِنَّ فِي ظَاهِرِ الْكَلَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute