[سُورَة الرّوم (٣٠) : آيَة ٢٨]
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)
أُتْبِعَ ضَرْبُ الْمَثَلِ لِإِمْكَانِ إِعَادَةِ الْخَلْقِ عَقِبَ دَلِيلِ بَدْئِهِ بِضَرْبِ مَثَلٍ لِإِبْطَالِ الشِّرْكِ عَقِبَ دَلِيلَيْهِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الرّوم: ١٩] وَقَوله وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الرّوم: ١٩] لِيَنْتَظِمَ الدَّلِيلُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الْمُهِمَّيْنِ: أَصْلِ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَأَصْلِ الْبَعْثِ، وَيَنْكَشِفَ بِالتَّمْثِيلِ وَالتَّقْرِيبِ بَعْدَ نُهُوضِهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ. وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ.
وَضَرْبُ الْمَثَلِ: إِيقَاعُهُ وَوَضْعُهُ، وَعَلَيْهِ فَانْتِصَابُ مَثَلًا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، أَوْ يُرَادُ
بِضَرْبِهِ جَعْلُهُ ضَرْبًا، أَيْ مَثَلًا وَنَظِيرًا، وَعَلَيْهِ فَانْتِصَابُ مَثَلًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّ مَثَلًا حِينَئِذٍ يُرَادِفُ ضَرْبًا مَصْدَرَ ضَرَبَ بِهَذَا الْمَعْنَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦] . وَاللَّامُ فِي لَكُمْ لَامُ التَّعْلِيلِ، أَيْ ضَرَبَ مَثَلًا لِأَجْلِكُمْ، أَيْ لِأَجْلِ إِفْهَامِكُمْ.
ومِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ابْتِدَائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِ ضَرَبَ أَيْ جَعَلَ لَكُمْ مَثَلًا مُنْتَزَعًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ. وَالْأَنْفُسُ هُنَا جِنْسُ النَّاسِ كَقَوْلِهِ فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النُّور: ٦١] أَيْ مَثَلًا مِنْ أَحْوَالِ جَمَاعَتِكُمْ إِذْ لَا تَخْلُو الْجَمَاعَةُ عَنْ نَاسٍ لَهُمْ عَبِيدٌ وَهُمْ يَعْرِفُونَ أَحْوَالَ الْعَبِيدِ مَعَ سَادَتِهِمْ سَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنْ يَمْلِكُ عَبِيدًا وَمَنْ لَا عَبِيدَ لَهُ. فَالْخِطَابُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ فَرِيقٍ فِيهِمْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَثَلُ. وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ وَمَنَاطُ الْإِنْكَارِ قَوْله فِي مَا رَزَقْناكُمْ إِلَى آخِرِهِ، أَيْ مِنْ شُرَكَاءَ لَهُمْ هَذَا الشَّأْنُ.
ومِنْ فِي قَوْله مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ تَبْعِيضِيَّةٌ، ومِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ شُرَكاءَ زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى النَّفْيِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ. فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْحُرُوفِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مِنْ قَبِيلِ الْجِنَاسِ التَّامِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute