للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَهُمْ وَازِعٌ من الدَّين يرعهم فَلِذَلِكَ هُمْ يَحْذَرُونَ النَّاسَ فَلَا يَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ بِالْيَدِ وَبِالسَّبِّ خَشْيَةً مِنْهُمْ فَإِذَا خَلَوْا أَمِنُوا مِنْ ذَلِكَ.

فَهَذَا سَبَبُ حُسْبَانِهِمُ الْحَدِيثَ فِي الْإِفْكِ شَيْئًا هَيِّنًا وَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِزَالَةِ مَسَاوِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِتْمَامِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

وَالْهَيِّنُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَوَانِ، وَهَوَانُ الشَّيْءِ عَدَمُ تَوْقِيرِهِ وَالْمُبَالَاةِ بِشَأْنِهِ، يُقَالُ: هَانَ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، أَيْ لَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ أَمْرًا مُهِمًّا، وَالْمَعْنَى: شَيْئًا هَيِّنًا. وَإِنَّمَا حَسِبُوهُ هَيِّنًا مَعَ أَنَّ

الْحَدَّ ثَابِتٌ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِحَسَبِ ظَاهر تَرْتِيب الْآي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ [النُّور: ٤] الْآيَةَ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَمْ تَحْدُثْ قَضِيَّةُ قَذْفٍ فِيمَا بَيْنَ نُزُولِ تِلْكَ الْآيَةِ وَنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، أَوْ حَدَثَتْ قَضِيَّةُ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَصْحَابُ الْإِفْكِ، أَوْ حَسِبُوهُ هَيِّنًا لِغَفْلَتِهِمْ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِ الْحَدِّ إِذْ كَانَ الْعَهْدُ بِهِ حَدِيثًا. وَفِيهِ مِنْ أَدَبِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ احْتِرَامَ الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءً فِي الْغَيْبَةِ وَالْحَضْرَةِ وَالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.

وَمَعْنَى: عِنْدَ اللَّهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِمَّا شَرَعَهُ لَكُمْ مِنَ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ [النُّور: ١٣] .

[١٦]

[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ١٦]

وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ [النُّور: ١٢] إِلَخْ. وَأُعِيدَتْ (لَوْلَا) وَشَرْطُهَا وَجَوَابُهَا لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِالْجُمْلَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْطِفْ قُلْتُمْ الَّذِي فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى قُلْتُمْ الَّذِي فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا لِقَصْدِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ.

وَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ وَهُوَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ عَلَى عَامِلِهِ وَهُوَ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا كَتَقْدِيمِ نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ [النُّور: ١٢] إِلَخْ وَهُوَ الِاهْتِمَامُ بِمَدْلُولِ الظَّرْفِ.