للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الرَّحْمَةِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ.

وَتَقْدِيمُ (رَءُوفٍ) لِيَقَعَ لَفْظُ رَحِيمٍ فَاصِلَةً فَيَكُونُ أَنْسَبَ بِفَوَاصِلِ هَذِهِ السُّورَةِ لِانْبِنَاءِ فَوَاصِلِهَا عَلَى حَرْفٍ صَحِيحٍ مَمْدُودٍ يَعْقُبُهُ حَرْفٌ صَحِيحٌ سَاكِنٌ وَوَصْفُ رَءُوفٍ مُعْتَمِدٌ سَاكِنُهُ عَلَى الْهَمْزِ وَالْهَمْزُ شَبِيهٌ بِحُرُوفِ الْعِلَّةِ فَالنُّطْقُ بِهِ غَيْرُ تَامِّ التَّمَكُّنِ عَلَى اللِّسَانِ وَحَرْفُ الْفَاءِ لِكَوْنِهِ يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَأَطْرَافِ الثَّنَايَا أَشْبَهَ حَرْفَ اللِّينِ فَلَا يَتَمَكَّنُ عَلَيْهِ سُكُونُ الْوَقْفِ.

وَتَقْدِيمُ بِالنَّاسِ عَلَى متعلّقه وَهُوَ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى عِنَايَتِهِ بِهِمْ إِيقَاظًا لَهُمْ لِيَشْكُرُوهُ مَعَ الرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (لَرَءُوفٌ) بواو سَاكِنة بعد الْهمزَة وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ بِدُونِ وَاوٍ مَعَ ضَمِّ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ عَضُدٍ وَهُوَ لُغَةٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.

[١٤٤]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٤٤]

قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ وَإِفْضَاءٌ لِشَرْعِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَنَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهَذَا هُوَ

الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ الْمُفْتَتَحُ بِقَوْلِهِ: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [الْبَقَرَة: ١٤٢] بَعْدَ أَنْ مَهَّدَ اللَّهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَفَانِينِ التَّهْيِئَةِ وَإِعْدَادِ النَّاسِ إِلَى تَرَقُّبِهِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ثُمَّ قَوْلِهِ: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ [الْبَقَرَة:

١٢٠] ثُمَّ قَوْلِهِ: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ [الْبَقَرَة: ١٢٥] ثُمَّ قَوْلِهِ: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ.

وَ (قَدْ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِلتَّحْقِيقِ أَلَا تَرَى أَهْلَ الْمَعَانِي نَظَّرُوا هَلْ فِي الِاسْتِفْهَامِ بِقَدْ فِي الْخَبَرِ فَقَالُوا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ إِنَّ هَلْ لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ فَحَرْفُ قَدْ يُفِيدُ تَحْقِيقَ الْفِعْلِ فَهِيَ مَعَ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ إِنَّ مَعَ الْأَسْمَاءِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْخَلِيلُ إِنَّهَا جَوَابٌ لِقَوْمٍ يَنْتَظِرُونَ الْخَبَرَ وَلَوْ أَخْبَرُوهُمْ لَا يَنْتَظِرُونَهُ لَمْ يَقُلْ قَدْ فَعَلَ كَذَا اهـ.

وَلَمَّا كَانَ عِلْمُ اللَّهِ بِذَلِكَ مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَحْتَاجَ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ بِهِ كَانَ الْخَبَرُ بِهِ مَعَ تَأْكِيدِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي لَازِمِهِ عَلَى وَجْهِ الْكِنَايَةِ لِدَفْعِ الِاسْتِبْطَاءِ عَنْهُ