للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ الِاعْتِبَارُ وَالْمَوْعِظَة، والتّحذير مَعَ الِاغْتِرَارِ بِوِلَايَةِ الظَّالِمِينَ.

وَتَوَخِّي الْأَتْبَاعِ صَلَاحَ الْمَتْبُوعِينَ. وَبَيَانُ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ اللَّهِ فِي الْعَالمين.

[١٣٠]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٣٠]

يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠)

هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَاوَلَةِ الَّتِي تَجْرِي يَوْمَ الْحَشْرِ، وَفُصِلَتِ الْجُمْلَةُ لِأَنَّهَا فِي مَقَامِ تَعْدَادِ جَرَائِمِهِمِ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا الْخُلُودَ، إِبْطَالًا لِمَعْذِرَتِهِمْ، وَإِعْلَانًا بِأَنَّهُمْ مَحْقُوقُونَ بِمَا جُزُوا بِهِ، فَأَعَادَ نِدَاءَهُمْ كَمَا يُنَادَى الْمُنَدَّدُ عَلَيْهِ الْمُوَبَّخُ فَيَزْدَادُ رَوْعًا.

والهمزة فِي لَمْ يَأْتِكُمْ

لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ، وَإِنَّمَا جُعِلَ السُّؤَالُ عَنْ نَفْيِ إِتْيَانِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُقَرَّرَ إِذَا كَانَ حَالُهُ فِي مُلَابَسَةِ الْمُقَرَّرِ عَلَيْهِ حَالُ مَنْ يُظَنُّ بِهِ أَنْ يُجِيبَ بِالنَّفْيِ، يُؤْتَى بِتَقْرِيرِهِ دَاخِلًا عَلَى نَفْيِ الْأَمْرِ الَّذِي الْمُرَادُ إِقْرَارُهُ بِإِثْبَاتِهِ، حَتَّى إِذَا أَقَرَّ بِإِثْبَاتِهِ كَانَ إِقْرَارُهُ أَقْطَعَ لِعُذْرِهِ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ، كَمَا يُقَالُ لِلْجَانِي: أَلَسْتَ الْفَاعِلَ كَذَا وَكَذَا، وأ لست الْقَائِلَ كَذَا، وَقَدْ يَسْلُكُ ذَلِكَ فِي مَقَامِ اخْتِبَارِ مِقْدَارِ تَمَكُّنِ الْمَسْئُولِ الْمُقَرَّرِ مِنَ الْيَقِينِ فِي الْمُقَرَّرِ عَلَيْهِ، فَيُؤْتَى بِالِاسْتِفْهَامِ دَاخِلًا عَلَى نَفْيِ الشَّيْءِ الْمُقَرَّرِ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فِيهِ ارتبك وتعلثم. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الْأَعْرَاف: ١٧٢] ، وَلَمَّا كَانَ حَالُ هَؤُلَاءِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي التَّمَرُّدِ عَلَى اللَّهِ، وَنَبْذِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ ظِهْرِيًّا، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْإِيمَانِ، حَالَ مَنْ لَمْ يَطْرُقْ سَمْعَهُ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَا نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، جِيءَ