للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ٨٣]

وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيَقُولُونَ طاعَةٌ [النِّسَاء: ٨١] فَضَمِيرُ الْجَمْعِ رَاجِعٌ إِلَى الضَّمَائِرِ قَبْلَهُ، الْعَائِدَةِ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِلسِّيَاقِ، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ إِلَّا قَوْلُهُ: وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، وسنعلم تَأْوِيلَهُ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ هَذَا رَاجَعٌ إِلَى فَرِيقٍ مِنْ ضَعَفَةِ الْمُؤْمِنِينَ:

مِمَّنْ قَلَّتْ تَجْرِبَتُهُ وَضَعُفَ جَلَدُهُ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، فَيَكُونُ مَعَادُ الضَّمِيرِ مَحْذُوفًا مِنَ الْكَلَامِ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةِ حَالِ النُّزُولِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢] .

وَالْكَلَامُ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّوْبِيخِ لِلْمُنَافِقِينَ وَاللَّوْمِ لِمَنْ يَقْبَلُ مِثْلَ تِلْكَ الْإِذَاعَةِ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْأَغْرَارِ.

وَمَعْنَى جاءَهُمْ أَمْرٌ أَيْ أُخْبِرُوا بِهِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَذَلِكَ مِنْ نَبَأٍ جَاءَنِي فَالْمَجِيءُ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ فِي سَمَاعِ الْأَخْبَارِ، مِثْلُ نَظَائِرِهِ. وَهِيَ: بَلَغَ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ وَأَتَاهُ، قَالَ النَّابِغَةُ:

أَتَأْنِي- أَبَيْتَ اللَّعْنَ- أَنَّكَ لُمْتَنِي وَالْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى الشَّيْءِ، وَهُوَ هُنَا الْخَبَرُ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: أَذاعُوا بِهِ.

وَمَعْنَى أَذاعُوا أَفْشَوْا، وَيَتَعَدَّى إِلَى الْخَبَرِ بِنَفْسِهِ، وَبِالْبَاءِ، يُقَالُ: أَذَاعَهُ وَأَذَاعَ بِهِ، فَالْبَاءُ لِتَوْكِيدِ اللُّصُوقِ كَمَا فِي وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] .

وَالْمَعْنَى إِذَا سَمِعُوا خَبَرًا عَنْ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَمْنِ، أَيِ الظَّفَرِ الَّذِي يُوجِبُ أَمْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْخَوْفَ وَهُوَ مَا يُوجِبُ خَوْفَ الْمُسْلِمِينَ، أَيِ اشْتِدَادَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ،