للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً تَذْيِيلٌ. وَمَعْنَى كانَ مَحْذُوراً أَنَّ حَقِيقَتَهُ تَقْتَضِي حَذَرَ الْمُوَفَّقِينَ إِذْ هُوَ جدير بذلك.

[٥٨]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٥٨]

وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨)

لما عَرَّضَ بِالتَّهْدِيدِ لِلْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً [الْإِسْرَاء:

٥٧] ، وَتَحَدَّاهُمْ بِقَوْلِهِ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ [الْإِسْرَاء: ٥٦] جَاءَ بِصَرِيحِ التَّهْدِيدِ عَلَى مَسْمَعٍ مِنْهُمْ بِأَنَّ كُلَّ قَرْيَةٍ مِثْلِ قَرْيَتِهِمْ فِي الشِّرْكِ لَا يعدوها عَذَاب الاستيصال وَهُوَ يَأْتِي عَلَى الْقَرْيَةِ وَأَهْلِهَا، أَوْ عَذَابُ الِانْتِقَامِ بِالسَّيْفِ وَالذُّلِّ وَالْأَسْرِ وَالْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَهُوَ يَأْتِي عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ مِثْلِ صَرْعَى بَدْرٍ، كُلُّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا.

فَالْمُرَادُ: الْقُرَى الْكَافِرُ أَهْلُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ فِي سُورَةِ هُودٍ [١١٧] ، وَقَوْلِهِ: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ [٥٩] .

وَحَذْفُ الصِّفَةِ فِي مِثْلِ هَذَا مَعْرُوفٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الْكَهْف: ٧٩] أَيْ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها [الْكَهْف: ٧٩] .

وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ شُمُولَ ذَلِكَ الْقُرَى الْمُؤْمِنَةَ، عَلَى مَعْنَى أَنْ لَا بُدَّ لِلْقُرَى مِنْ زَوَالٍ

وَفَنَاءٍ فِي سُنَّةِ اللَّهِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَارِضٌ لِآيَاتٍ أُخْرَى، وَلِأَنَّهُ مُنَافٍ لِغَرَضِ تَحْذِيرِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الشِّرْكِ.

فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا تَنْفَلِتُ مِنْهُ قَرْيَةٌ مِنَ الْقُرَى بِحُكْمِ سُنَّةِ اللَّهِ فِي مَصِيرِ كُلِّ حَادِثٍ إِلَى الْفَنَاءِ لَمَا سَلَّمْنَا أَنَّ فِي ذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا فَائِدَةً.

وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ زِيَادَةٌ فِي الْإِنْذَارِ وَالْوَعِيدِ، كَقَوْلِهِ: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى [طه: ١٢٧] .