تَشْوِيهٌ، وَالضَّرْبُ وَالْوَسْمُ وَنَحْوُهُمَا عَلَى الْأَنْفِ كِنَايَةٌ عَنْ قُوَّةِ التَّمَكُّنِ وَتَمَامِ الْغَلَبَةِ وَعَجْزِ صَاحِبِ الْأَنْفِ عَنِ الْمُقَاوَمَةِ لِأَنَّ الْأَنْفَ أَبْرَزُ مَا فِي الْوَجْهِ وَهُوَ مَجْرَى النَفَسِ، وَلِذَلِكَ غَلَبَ ذِكْرُ الْأَنْفِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ إِظْهَارِ الْعِزَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: شَمَخَ بِأَنْفِهِ، وَهُوَ أَشَمُّ الْأَنْفِ، وَهُمْ شُمُّ الْعَرَانِينِ، وَعَبَّرَ عَنْ ظُهُورِ الذِّلَّةِ وَالْاسْتِكَانَةِ بِكَسْرِ الْأَنْفِ، وَجَدْعِهِ، وَوُقُوعِهِ فِي التُّرَابِ فِي قَوْلِهِمْ: رَغِمَ أَنْفُهُ، وَعَلَى رَغْمِ أَنْفِهِ، قَالَ جَرِيرُ:
لَمَّا وَضَعْتُ عَلَى الْفَرَزْدَقِ مِيسَمِي ... وَعَلَى الْبَعِيثِ جَدَعْتُ أَنْفَ الْأَخْطَلِ
وَمُعْظَمُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهَذَا الْوَعِيدِ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٌ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ هُوَ مَا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ مِنْ سُوءٍ وَذُلٍّ وَصَغَارٍ. يُرِيدُ: مَا نَالَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَى سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ سَنَخْطِمُهُ بِالسَّيْفِ قَالَ: وَقَدْ خُطِمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَزَلْ مَخْطُومًا إِلَى أَنْ مَاتَ وَلَمْ يُعَيِّنِ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ هُوَ.
وَقَدْ كَانُوا إِذَا ضَرَبُوا بِالسُّيُوفِ قصدُوا الْوُجُوه والرؤوس.
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا بَلَّغَهُ قَوْلُ أَبِي حُذَيْفَةَ لَئِنْ لَقِيَتُ الْعَبَّاسَ لَأُلَجِّمَنَّهُ السَّيْفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «يَا أَبَا حَفْصٍ أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ بِالسَّيْفِ؟»
. وَقِيلَ هَذَا وَعِيدٌ بِتَشْوِيهِ أَنْفِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمرَان: ١٠٦] وَجُعِلَ تَشْوِيهُهُ يَوْمَئِذٍ فِي أَنْفِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَالَغَ فِي عَدَاوَةِ الرَّسُولِ وَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ بِسَبَبِ الْأَنَفَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَقَدْ كَانَ الْأَنْفُ مَظْهَرَ الْكِبْرِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْكِبْرُ أَنَفَةً اشْتِقَاقًا مِنِ اسْمِ الْأَنْفِ فَجُعِلَتْ شَوْهَتُهُ فِي مَظْهَرِ آثَار كبريائه.
[١٧- ٢٥]
[سُورَة الْقَلَم (٦٨) : الْآيَات ١٧ إِلَى ٢٥]
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١)
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute