للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِذْنٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَتَوَجَّهَ فِي الصَّلَاةِ إِلَى أَيَّةِ جِهَةٍ شَاءَ، وَلَعَلَّ مُرَادَ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّ الْآيَةَ تُشِيرُ إِلَى تِلْكَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قُبَيْلَ نَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِذِ الشَّأْنُ تَوَالِي نُزُولِ الْآيَاتِ وَآيَةُ نَسْخِ الْقِبْلَةِ قَرِيبَةُ الْمَوْقِعِ مِنْ هَذِهِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ مَقْصِدُ الْآيَةِ عَامًّا كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فَتَشْمَلُ الْهِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ وَالِانْصِرَافَ

عَنِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ.

وَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ لَا لَهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ حَقٌّ فِي مَنْعِ شَيْءٍ مِنْهَا عَنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ.

ووَجْهُ اللَّهِ بِمَعْنَى الذَّاتِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ تَقُولُ: لِوَجْهِ زَيْدٍ أَيْ ذَاتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [الْبَقَرَة: ١١٢] وَهُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ عَمَلِهِ فَحَيْثُ أَمَرَهُمْ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرِضَاهُ مَنُوطٌ بِالِامْتِثَالِ لِذَلِكَ، وَهُوَ أَيْضًا كِنَايَةٌ رَمْزِيَّةٌ عَنْ رِضَاهُ بِهِجْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي سَبِيلِ الدِّينِ لِبِلَادِ الْحَبَشَةِ ثُمَّ لِلْمَدِينَةِ وَيُؤَيِّدُ كَوْنَ الْوَجْهِ بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ فِي التَّذْيِيلِ: إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ فَقَوْلُهُ: واسِعٌ تَذْيِيلٌ لِمَدْلُولٍ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ وَالْمُرَادُ سَعَةُ مُلْكِهِ أَوْ سَعَةُ تَيْسِيرِهِ وَالْمَقْصُودُ عَظَمَةُ اللَّهِ، أَنه لَا جِهَةَ لَهُ وَإِنَّمَا الْجِهَاتُ الَّتِي يُقْصَدُ مِنْهَا رِضَى اللَّهِ تَفْضُلُ غَيْرَهَا وَهُوَ عَلِيمٌ بِمَنْ يَتَوَجَّهُ لِقَصْدِ مَرْضَاتِهِ، وَقَدْ فُسِّرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِأَنَّهَا الْمُرَادُ بِهَا الْقِبْلَةُ فِي الصَّلَاة.

[١١٦]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١١٦]

وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦)

الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ بِقَالُوا عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِشَارَةً إِلَى ضَلَالٍ آخَرَ اتَّفَقَ فِيهِ الْفِرَقُ الثَّلَاث.

وَقد قرىء بِالْوَاوِ (وَقَالُوا) عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقالَتِ الْيَهُودُ [الْبَقَرَة: ١١٣] وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ بِدُونِ وَاوِ عَطْفٍ وَكَذَلِكَ ثَبَتَتِ الْآيَةُ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ الْمُوَجَّهِ إِلَى الشَّامِ فَتَكُونُ اسْتِئْنَافًا كَأَنَّ السَّامِعَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ مَا مَرَّ مِنْ عَجَائِبِ هَؤُلَاءِ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ جَمْعًا وَتَفْرِيقًا تَسَنَّى لَهُ أَنْ يَقُولَ لَقَدْ أَسْمَعْتَنَا مِنْ مُسَاوِيهِمْ عَجَبًا فَهَلِ انْتَهَتْ مُسَاوِيهِمْ أَمْ لَهُمْ مَسَاوٍ أُخْرَى لِأَنَّ مَا سَمِعْنَاهُ مُؤْذِنٌ بِأَنَّهَا مَسَاوٍ لَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ فِطَرٍ خَبِيثَةٍ.