للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا إِبْطَالٌ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ فِيهِ إِنَّهُ كَاهِنٌ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْكُهَّانَ تَأْتِيهِمُ الشَّيَاطِينُ بِأَخْبَارِ الْغَيْبِ، قَالَ تَعَالَى: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الحاقة: ٤١- ٤٢] وَقَالَ: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ [الشُّعَرَاء: ٢١٠، ٢١١] وَقَالَ: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشُّعَرَاء: ٢٢١، ٢٢٢] وَهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْكَاهِنَ يَتَلَقَّى عَنْ شَيْطَانِهِ وَيُسَمُّونَ شَيْطَانَهُ رَئِيًا.

وَفِي حَدِيثِ فَتْرَةِ الْوَحْيِ وَنُزُولِ سُورَةِ وَالضُّحَى: أَنَّ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ وَهِيَ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ قَالَتْ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَى شَيْطَانَكَ قَدْ قَلَاكَ» .

ورَجِيمٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَرْجُومٌ، وَالْمَرْجُومُ: الْمُبْعَدُ الَّذِي يَتَبَاعَدُ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِ فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ رَجَمُوهُ فَهُوَ وَصْفٌ كَاشِفٌ لِلشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا متبّرأ مِنْهُ.

[٢٦]

[سُورَة التكوير (٨١) : آيَة ٢٦]

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)

جُمْلَةُ: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ: وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ [التكوير:

٢٥] وَقَوْلِهِ: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ [التكوير: ٢٧] .

وَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ التَّوْبِيخِ وَالتَّعْجِيزِ عَلَى الْحُجَجِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُثْبِتَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ كَاهِنٍ وَأَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ.

وَهَذَا مِنِ اقْتِرَانِ الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ بِالْفَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ عَبَسَ [١٢] .

وَ (أَيْنَ) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْمَكَانِ. وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ عَنْ مَكَانِ ذَهَابِهِمْ، أَيْ طَرِيقِ ضَلَالِهِمْ، تَمْثِيلًا لِحَالِهِمْ فِي سُلُوكِ طُرُقِ الْبَاطِلِ بِحَالِ مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ الْجَادَّةَ فَيَسْأَلُهُ السَّائِلُ مُنْكِرًا عَلَيْهِ سُلُوكَهُ، أَيِ اعْدِلْ عَنْ هَذَا الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ مَضِلَّةٌ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْجِيزِ عَنْ طَلَبِ طَرِيقٍ يَسْلُكُونَهُ إِلَى مَقْصِدِهِمْ مِنَ الطَّعْنِ فِي الْقُرْآنِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ قَدْ سُدَّتْ عَلَيْكُمْ طُرُقُ بُهْتَانِكُمْ إِذِ اتَّضَحَ بِالْحُجَّةِ الدَّامِغَةِ بُطْلَانُ