للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : الْآيَات ١٠١ إِلَى ١٠٢]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلنَّهْيِ عَنِ الْعَوْدَةِ إِلَى مَسَائِلَ سَأَلَهَا بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ رَسُول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لَيست فِي شؤون الدِّينِ ولكنّها فِي شؤون ذَاتِيَّةٍ خَاصَّةٍ بِهِمْ، فَنُهُوا أَنْ يَشْغَلُوا الرَّسُولَ بِمِثَالِهَا بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ لَهُمْ بَيَانَ مُهِمَّةِ الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [الْمَائِدَة: ٩٩] الصَّالِحُ لِأَنْ يَكُونَ مُقَدِّمَةً لِمَضْمُونِ هَذِهِ الْآيَةِ وَلِمَضْمُونِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ [الْمَائِدَة: ١٠٠] فَالْآيَتَانِ كِلْتَاهُمَا مُرْتَبِطَتَانِ بِآيَةِ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [الْمَائِدَة: ٩٩] ، وَلَيْسَتْ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بِمُرْتَبِطَةٍ بِالْأُخْرَى.

وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي بَيَانِ نَوْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ

حَدِيثُ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» قَالَ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «لَا تَسْأَلُونَنِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُ لَكُمْ» ، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ إِذا لَا حى يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي قَالَ:

أَبُوكَ حُذَافَةُ

(أَيْ فَدَعَاهُ لِأَبِيهِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ) ، وَالسَّائِلُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى: فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ مَنْ أَبِي، قَالَ: أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْخَبَرِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا آخَرَ قَامَ فَقَالَ: أَيْنَ أَبِي. وَفِي رِوَايَةٍ: أَيْنَ أَنَا؟ فَقَالَ: فِي النَّارِ.

وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ، أَيْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ اسْتِهْزَاءً فَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي، وَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي، وَيَقُولُ الْمُسَافِرُ: مَاذَا أَلْقَى فِي سَفَرِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا