عَجَلٍ [الْأَنْبِيَاء: ٣٧]
يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِ الْوَصْفِ مِنَ الْمَوْصُوفِ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْتَزَعٌ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً [النِّسَاء: ٢٨] .
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ أَطْوَارًا تَبْتَدِئُ مِنَ الْوَهْنِ وَتَنْتَهِي إِلَيْهِ فَكَذَلِكَ يُنْشِئُكُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنَ الْإِنْشَاءِ الْأَوَّلِ وَمَا لَحِقَهُ مِنَ الْأَطْوَارِ، وَلِهَذَا أَخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: يَخْلُقُ مَا يَشاءُ.
وَذَكَرَ وَصْفَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لِأَنَّ التَّطَوُّرَ هُوَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ وَهِي من شؤون الْعِلْمِ، وَإِبْرَازِهِ عَلَى أَحْكَمِ وَجْهٍ هُوَ مِنْ أَثَرِ الْقُدْرَةِ. وَتَنْكِيرُ ضَعْفٍ وقُوَّةً لِلنَّوْعِيَّةِ فَ ضَعْفٍ الْمَذْكُورِ ثَانِيًا هُوَ عَيْنُ ضَعْفٍ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وقُوَّةً الْمَذْكُورَةِ ثَانِيًا عَيْنُ قُوَّةً الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا. وَقَوْلُهُمُ: النَّكِرَةُ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأَوْلَى، يُرِيدُونَ بِهِ التَّنْكِيرَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْفَرْدُ الشَّائِعُ لَا التَّنْكِيرُ الْمُرَادُ بِهِ النَّوْعِيَّةُ. وَعَطْفُ وَشَيْبَةً لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا الضَّعْفَ لَا قُوَّةَ بَعْدَهُ وَأَنَّ بَعْدَهُ الْعَدَمَ بِمَا شَاعَ مِنْ أَنَّ الشَّيْبَ نَذِيرُ الْمَوْتِ.
وَالشَّيْبَةُ: اسْمُ مَصْدَرِ الشَّيْبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً فِي سُورَة مَرْيَم [٤] .
[٥٥]
[سُورَة الرّوم (٣٠) : آيَة ٥٥]
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥)
لَمَّا ذَكَرَ عَدَمَ انْتِفَاعِ الْمُشْرِكِينَ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ وَشُبِّهُوا بِالْأَمْوَاتِ وَالصُّمِّ وَالْعُمْيِ فَظَهَرَتْ فَظَاعَةُ حَالِهِمْ فِي الْعَاجِلَةِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِوَصْفِ حَالِهِمْ حِينَ تَقُومُ السَّاعَةُ فِي اسْتِصْحَابِ مُكَابَرَتِهِمُ الَّتِي عَاشُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، بِأَنَّ اللَّهَ حِينَ يُعِيد خلقهمْ وينشىء لَهُمْ أَجْسَامًا كَأَجْسَامِهِمْ وَيُعِيدُ إِلَيْهِمْ عُقُولَهُمْ يَكُونُ تَفْكِيرُهُمْ يَوْمئِذٍ عَلَى وِفَاقِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ السَّفْسَطَةِ وَالْمُغَالَطَةِ وَالْغُرُورِ، فَإِذَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ وَشَعَرُوا بِصِحَّةِ أَجْسَامِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَكَانُوا قَدْ عَلِمُوا فِي آخِرِ أَوْقَاتِ حَيَاتِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute