وَهَذَا إِيمَاءٌ إِلَى بَيَانِ قَوْلِهِ: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ١٤] ، أَيْ مِنْ أَجْلِ مَا يُخَالِجُكُمُ ارْتِيَابٌ فِي بَعْضِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ مِمَّا اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ قَصْرٌ، وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ أَيْضًا، أَيْ هُمُ الصَّادِقُونَ لَا أَنْتُمْ فِي قَوْلكُم آمَنَّا.
[١٦]
[سُورَة الحجرات (٤٩) : آيَة ١٦]
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦)
أُعِيدَ فِعْلُ قُلْ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقُولَ لَهُمْ هَذَا هُمُ الْأَعْرَابُ الَّذِينَ أُمِرَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ لَمْ تُؤْمِنُوا إِلَى آخِرِهِ، فَأُعِيدَ لَمَّا طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِالْجُمَلِ الْمُتَتَابِعَةِ، فَهَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ اتِّصَالَ الْبَيَانِ بِالْمُبَيِّنِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ جُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِ.
وَجُمْلَةُ قُلْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُبَيِّنَةِ وَالْمُبَيَّنَةِ.
قِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا الْآيَة جاؤوا إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلَفُوا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ فَنَزَلَ قَوْلُهُ: «قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَلَمْ يُرْوَ بِسَنَدٍ مَعْرُوفٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ تَفْسِيرًا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَبَّخَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ كَمَا وَبَّخَ الْمُنَافِقِينَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ [٤٢] بِقَوْلِهِ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ الْآيَةَ. وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ بِسَنَدٍ مَقْبُولٍ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا أُمِرَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ.
وَالتَّعْلِيمُ مُبَالَغَةٌ فِي إِيصَالِ الْعِلْمِ إِلَى الْمُعَلَّمِ لِأَنَّ صِيغَةَ التَّفْعِيلِ تَقْتَضِي قُوَّةً فِي حُصُولِ الْفِعْلِ كَالتَّفْرِيقِ وَالتَّفْسِيرِ، يُقَالُ: أَعْلَمَهُ وَعَلَّمَهُ كَمَا يُقَالُ: أَنْبَأَهُ وَنَبَّأَهُ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ تَكَلَّفُوا وَتَعَسَّفُوا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى خُلُوصِ إِيمَانِهِمْ لِيُقْنِعُوا بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَبْلَغَهُمْ أَنَّ اللَّهَ نَفَى عَنْهُمْ رُسُوخَ الْإِيمَانِ بِمُحَاوَلَةِ إِقْنَاعِهِ تَدُلُّ إِلَى مُحَاوَلَةِ إِقْنَاعِ اللَّهِ بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ.
وَبَاءُ بِدِينِكُمْ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ لُصُوقِ الْفِعْلِ بِمَفْعُولِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute