للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَاتِ فِي قَوْلِهِ: مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ مَا عَدَا الْقُرْآنَ. وَهُوَ تَخْصِيصٌ لَا يُنَاسِبُ مَقَامَ كَوْنِ الْقُرْآنِ أَعْظَمَهَا.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَسَوْفَ فَاءُ التَّسَبُّبِ عَلَى قَوْلِهِ: كَذَّبُوا بِالْحَقِّ، أَيْ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ إِصَابَتُهُمْ بِمَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ اللَّهُ.

وَحَرْفُ التَّسْوِيفِ هُنَا لِتَأْكِيدِ حُصُولِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَاسْتَعْمَلَ الْإِتْيَانَ هُنَا فِي الْإِصَابَةِ وَالْحُصُولِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ. وَالْأَنْبَاءُ جَمْعُ نَبَأٍ، وَهُوَ الْخَبَرُ الَّذِي لَهُ أَهَمِّيَّةٌ.

وَأَطْلَقَ النَّبَأَ هُنَا عَلَى تَحْقِيقِ مَضْمُونِ الْخَبَرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ، أَيْ تَحَقُّقَ نَبَئِهِ، لِأَنَّ النَّبَأَ نَفْسَهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَبْلُ.

وَمَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ هُوَ الْقُرْآنُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً فَإِنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى وَعِيدِهِمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا بِالسَّيْفِ، وَعَذَابِ الْآخِرَةِ. فَتِلْكَ أَنْبَاءٌ أَنْبَأَهُمْ بهَا فكذبّوه واستهزؤا بِهِ فَتَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ تِلْكَ الْأَنْبَاءَ سَيُصِيبُهُمْ مَضْمُونُهَا. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ عَلِمُوا أَنَّهَا أَنْبَاءُ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِالْقُرْآنِ

وَعَلِمَ السَّامِعُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مُسْتَهْزِئِينَ بِالْقُرْآنِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ.

[٦]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٦]

أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦)

هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. جَاءَ بَيَانُهَا بِطَرِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ عَنْ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْقُرُونِ الْكَثِيرَةِ الَّذِينَ أَهْلَكَتْهُمْ حَوَادِثُ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ يَدُلُّ حَالُهَا عَلَى أَنَّهَا مُسَلَّطَةٌ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ عِقَابًا لَهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ.