الِانْتِقَامِ مِنْ أُمَّةِ الْقِبْطِ بِسَبَبِ مُوسَى. وَلَعَلَّ اللَّهَ حَقَّقَ لِامْرَأَةِ فِرْعَوْنَ رَجَاءَهَا فَكَانَ مُوسَى قُرَّةَ عَيْنٍ لَهَا وَلِزَوْجِهَا، فَلَمَّا هَلَكَا وَجَاءَ فِرْعَوْنٌ آخَرُ بَعْدَهُمَا كَانَ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ مِنْ نَصْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَاخْتِيرَ يَشْعُرُونَ هُنَا لِأَنَّهُ مِنَ الْعِلْمِ الْخَفِيِّ، أَيْ لَا يَعْلَمُونَ هَذَا الْأَمر الْخَفي.
[١٠]
[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ١٠]
وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠)
أَصْبَحَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى (صَارَ) فَاقْتَضَى تَحَوُّلًا مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى، أَيْ كَانَ فُؤَادُهَا غَيْرَ فَارِغٍ فَأَصْبَحَ فَارِغًا.
وَالْفُؤَادُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْعَقْلِ وَاللُّبِّ.
وَالْفَرَاغُ مَجَازِيٌّ. وَمَعْنَى فَرَاغِ الْعَقْلِ مِنْ أَمْرٍ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ احْتِوَاءِ الْعَقْلِ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ احْتِوَاءً مَجَازِيًّا، أَيْ عَدَمِ جَوَلَانِ مَعْنَى ذَلِكَ الْأَمْرِ فِي الْعَقْلِ، أَيْ تَرْكِ التَّفْكِيرِ فِيهِ.
وَإِذْ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ فُؤَادَ أم مُوسَى لماذَا أَصْبَحَ فَارِغًا احْتَمَلَتِ الْآيَةُ مَعَانِيَ تَرْجِعُ إِلَى مُحْتَمَلَاتِ مُتَعَلِّقِ الْفَرَاغِ مَا هُوَ. فَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذَلِكَ قَدِيمًا، وَمَرْجِعُ أَقْوَالِهِمْ إِلَى نَاحِيَتَيْنِ: نَاحِيَةٍ تُؤْذِنُ بِثَبَاتِ أُمِّ مُوسَى وَرِبَاطَةِ جَاشِهَا، وَنَاحِيَةٍ تُؤْذِنُ بِتَطَرُّقِ الضَّعْفِ وَالشَّكِّ إِلَى نَفْسِهَا.
فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى النَّاحِيَةِ الْأُولَى فَهُوَ أَنَّهُ فَارِغٌ مِنَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ فَأَصْبَحَتْ وَاثِقَةً بِحُسْنِ عَاقِبَتِهِ تَبَعًا لِمَا أَلْهَمَهَا مِنْ أَنْ لَا تَخَافَ وَلَا تَحْزَنَ فَيَرْجِعُ إِلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهَا. وَهَذَا أَسْعَدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدُ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّبْطَ مِنْ تَوَابِعِ مَا أَلْهَمَهَا اللَّهُ مِنْ أَنْ لَا تَخَافَ وَلَا تَحْزَنَ.
فَالْمَعْنَى: أَنَّهَا لَمَّا أَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ كَمَا أَلْهَمَهَا اللَّهُ زَالَ عَنْهَا مَا كَانَتْ تَخَافُهُ عَلَيْهِ مِنَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ عِنْدَهَا وَقَتْلِهِ لِأَنَّهَا لَمَّا تَمَكَّنَتْ مِنْ إِلْقَائِهِ فِي الْيَمِّ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا أَحَدٌ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute