للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُتَرَقَّبُ عِنْدَ حُلُولِ الضَّيْرِ بِهِمْ فَإِذَا تَقَرَّرَ عَدَمُ الْإِغْنَاءِ يُذْكَرُ بَعْدَهُ حُلُولُ الْمُصِيبَةِ، فَعُكِسَ التَّرْتِيبُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِقَصْدِ التَّعْجِيلِ بِإِبْطَالِ مَقَالَةِ قَائِلِهِمْ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ [الزمر: ٤٩] ، أَيْ لَوْ كَانَ لِعِلْمِهِمْ أَثَرٌ فِي جَلْبِ النِّعْمَةِ لَهُمْ لَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي دَفْعِ الضُّرِّ عَنْهُمْ.

وَالْإِشَارَةُ بِ هؤُلاءِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَدْ بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّنَا اهْتَدَيْنَا إِلَى كَشْفِ عَادَةٍ مِنْ عَادَاتِ الْقُرْآنِ إِذَا ذُكِرَتْ فِيهِ هَذِهِ الْإِشَارَةُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ. وَإِصَابَةُ السَّيِّئَاتِ مُرَادٌ بِهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِصَابَةُ جَزَاءِ السَّيِّئَاتِ وَهُوَ عِقَابُ الدُّنْيَا وَعِقَابُ الْآخِرَةِ لِأَنَّ جَزَاءَ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا.

وَالْمُعْجِزُ: الْغَالِبُ، وَتَقَدَّمُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٣٤] ، أَيْ مَا هُمْ بِمُعْجِزِينَا، فَحُذِفَ مَفْعُولُ اسْمِ الْفَاعِلِ

لِدَلَالَةِ الْقَرِينَة عَلَيْهِ.

[٥٢]

[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٥٢]

أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٤٩] فَبَعْدَ أَنْ وَصَفَ أَكْثَرهم بِانْتِفَاء الْعلم بِأَن الرَّحْمَة لَهُم فتْنَة وابتلاء، عطف عَلَيْهِ إِنْكَار علمهمْ انْتِفَاء عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ وَإِهْمَالِهِمُ النَّظَرَ فِي الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْعِلْمِ وَصَمِّهِمْ آذَانَهُمْ عَنِ الْآيَاتِ الَّتِي تُذَكِّرُهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى بَقُوا فِي جَهَالَةٍ مُرَكَّبَةٍ وَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ، أَيْ يُعْطِي الْخَيْرَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ.

فَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ فِي انْتِفَاءِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي انْتِفَاءِ الْعِلْمِ، فَالْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ يَتَضَمَّنُ تَوْبِيخًا. وَاقْتَصَرَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى إِنْكَارِ انْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِأَنْ بَسْطَ الرِّزْقِ وَقَدْرَهُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ