للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى الْفَتْحِ، وَمَا وَقَعَ فِي «الْكَشَّافِ» مِمَّا يُوهِمُ هَذَا مُؤَوَّلٌ بِمَا سَمِعْتَ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ صلَة، وَلم يسمه مُتَعَلِّقًا.

وَجُمْلَةُ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ مُسْتَأْنَفَةٌ. وَالْمَلْجَأُ: مَكَان اللجأ، وَاللَّجَأُ: الْمَصِيرُ

وَالِانْحِيَازُ إِلَى الشَّيْءِ، فَالْمَلْجَأُ: الْمَكَانُ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ الْمَرْءُ لِلتَّوَقِّي فِيهِ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى النَّاصِرِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، أَيْ مَا لَكُمْ مِنْ شَيْءٍ يَقِيكُمْ مِنَ الْعَذَابِ.

وَالنَّكِيرُ: اسْمُ مَصْدَرِ أَنْكَرَ، أَيْ مَا لَكُمْ إِنْكَارٌ لِمَا جُوزِيتُمْ بِهِ، أَيْ لَا يَسَعُكُمْ إِلَّا الِاعْتِرَافُ دُونَ تَنَصُّلٍ.

[٤٨]

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٤٨]

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨)

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ.

الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ [الشورى: ٤٧] الْآيَةَ، وَهُوَ جَامِعٌ لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا عَلِمْتَ إِذْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيئَهُ بِدَعْوَتِهِمْ لِلْإِيمَانِ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها [الشورى: ٧] ثُمَّ قَوْلِهِ: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ [الشورى: ١٥] . وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ وَاعْتَرَضَهُ مِنْ تَضَاعِيفِ الْأَمْرِ الصَّرِيحِ وَالضِّمْنِيِّ إِلَى قَوْلِهِ:

اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ [الشورى: ٤٧] الْآيَةَ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إِعْلَام الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَامِهِ وَعَمَلِهِ إِنْ أَعْرَضَ مُعْرِضُونَ مِنَ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ وَبِمَعْذِرَتِهِ فِيمَا قَامَ بِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ، وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِتَسْلِيَتِهِ عَلَى مَا لَاقَاهُ مِنْهُمْ، وَالْمَعْنَى: فَإِنْ أَعْرَضُوا بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ حَفِيظًا عَلَيْهِمْ وَمُتَكَفِّلًا بِهِمْ إِذْ مَا عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ.

وَإِذْ قَدْ كَانَ مَا سَبَقَ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ وَالدَّعْوَةِ مُصَدَّرًا بَقَوْلِهِ أَوَائِلَ السُّورَةِ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الشورى: ٦] ، لَا جَرَمَ نَاسَبَ أَنْ يُفَرِّعَ عَلَى تِلْكَ الْأَوَامِرِ بَعْدَ تَمَامِهَا مِثْلَ مَا قَدَّمَ لَهَا فَقَالَ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ. وَهَذَا الِارْتِبَاطُ هُوَ نُكْتَةُ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ [الشورى: ٤٧]