الِاكْتِيَالِ نَظَرًا إِلَى الْغَالِبِ، وَذَكَرَ فِي بَيْعِهِمْ لِلْمُبْتَاعِينَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ لِأَنَّهُمْ يَبِيعُونَ الْأَشْيَاءَ كَيْلًا وَيَقْبِضُونَ الْأَثْمَانَ وَزْنًا.
وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّطْفِيفَ مِنْ عَمَلِ تُجَّارِهِمْ.
ويَسْتَوْفُونَ جَوَابُ إِذَا وَالِاسْتِيفَاءُ أَخْذُ الشَّيْءِ وَافِيًا، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْفِعْلِ مِثْلَ: اسْتَجَابَ.
وَمَعْنَى يُخْسِرُونَ يُوقِعُونَ الَّذِينَ كَالُوا لَهُمْ أَوْ وَزَنُوا لَهُمْ فِي الْخَسَارَةِ، وَالْخَسَارَةُ النَّقْصُ مِنَ المَال من التَّبَايُعِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ تَحْذِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ التَّسَاهُلِ فِي التطفيف إِذْ وجوده فَاشِيًا فِي الْمَدِينَةِ فِي أَوَّلِ هِجْرَتِهِمْ وَذَمٌّ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ مَكَّةَ.
وَحَسْبُهُمْ أَنَّ التَّطْفِيفَ يَجْمَعُ ظُلْمًا وَاخْتِلَاسًا وَلُؤْمًا، وَالْعَرَبُ كَانُوا يَتَعَيَّرُونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخلال متفرّقة ويتبرؤون مِنْهَا، ثُمَّ يَأْتُونَهَا مُجْتَمِعَةً، وَنَاهِيكَ بذلك أفنا.
[٤- ٦]
[سُورَة المطففين (٨٣) : الْآيَات ٤ إِلَى ٦]
أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦)
اسْتِئْنَاف ناشىء عَنِ الْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَهُمْ بِالْوَيْلِ عَلَى التَّطْفِيفِ وَمَا وُصِفُوا بِهِ مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى حُقُوقِ الْمُبْتَاعِينَ.
وَالْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ التَّعْجِيبِيِّ بِحَيْثُ يَسْأَلُ السَّائِل عَن عَمَلهم بِالْبَعْثِ، وَهَذَا يرجح أَنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: ١] مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ. وَيرجع الْإِنْكَار والتعجيب مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِنْكَارِ مَا سِيقَ هَذَا لِأَجْلِهِ وَهُوَ فِعْلُ التَّطْفِيفِ. فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ الْخُلَّصُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُمُ انْتَهَوْا عَنِ التَّطْفِيفِ بِخِلَافِ الْمُنَافِقِينَ.
وَالظَّنُّ: مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الْمَشْهُورِ وَهُوَ اعْتِقَاد وُقُوع الشَّيْء اعْتِقَادًا رَاجِحًا عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: ٣٢] .
وَفِي الْعُدُولِ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ لِقَصْدِ