عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَبَعْدَ أَنْ تَهَكَّمَ بِهِمْ جَدَّ فِي جَوَابِهِمْ، فَقَالَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ أَيْ: لَا عِلْمَ عِنْدَكُمْ. وَقُصَارَى مَا عِنْدَكُمْ هُوَ الظَّنُّ الْبَاطِلُ وَالْخَرْصُ. وَهَذَا يُشْبِهُ سَنَدَ الْمَنْعِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْجَدَلِ. وَالْمُرَادُ بِالظَّنِّ الظَّنُّ الْكَاذِبُ وَهُوَ إِطْلَاقٌ لَهُ شَائِعٌ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ فِي هَذِه السّورة [١١٦] .
[١٤٩]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٤٩]
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)
جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا [الْأَنْعَام: ١٤٨] تَكْمِلَةٌ لِلْجَوَابِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ، وَهُوَ يُشْبِهُ الْمُعَارَضَةَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْجَدَلِ.
وَأُعِيدَ فِعْلُ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ لِاسْتِرْعَاءِ الْأَسْمَاعِ لِمَا سَيَرِدُ بَعْدَ فِعْلِ: قُلْ وَقَدْ كُرِّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَعَاقِبَةً بِدُونِ عَطْفٍ، وَالنُّكْتَةُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ
الْمُقَاوَلَةِ.
وَالْفَاءُ فَصِيحَةٌ تُؤْذِنُ بِكَلَامٍ مُقَدَّرٍ هُوَ شَرْطٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ كَانَ قَوْلُكُمْ لِمُجَرَّدِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ وَالْخَرْصِ وَسُوءِ التَّأْوِيلِ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ، أَيْ: لِلَّهِ لَا لَكُمْ، فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ حُجَّتَهُمْ دَاحِضَةٌ.
وَالْحُجَّةُ: الْأَمْرُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ أَحَدٍ فِي دَعْوَاهُ وَعَلَى مُصَادَفَةِ الْمُسْتَدِلِّ وَجْهَ الْحَقِّ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٥٠] .
وَالْبَالِغَةُ هِيَ الْوَاصِلَةُ: أَيْ الْوَاصِلَةُ إِلَى مَا قُصِدَتْ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ غَلَبُ الْخَصْمِ، وَإِبْطَالُ حُجَّتِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ [الْقَمَر: ٥] ، فَالْبُلُوغُ اسْتِعَارَةٌ مَشْهُورَةٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنَ الشَّيْءِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِجْرَاءِ اسْتِعَارَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute