وَالتَّعْبِيرُ بِالْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: مَا أَغْنى لِتَحْقِيقِ وُقُوعِ عَدَمِ الْإِغْنَاءِ.
وَمَا نَافِيَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً لِلتَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ.
وَالْمَالُ: الْمُمْتَلَكَاتُ المتمولة، وَغلب عِنْد الْعَرَبِ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْإِبِلِ، وَمِنْ كَلَامِ عُمَرَ: «لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» إِلَخْ فِي اتِّقَاءِ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، مِنَ «الْمُوَطَّأِ» وَقَالَ زُهَيْرٌ:
صَحِيحَاتِ مَالٍ طَالِعَاتِ بِمَخْرَمِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ وَالْبَحْرَيْنِ يَغْلِبُ عِنْدَهُمْ عَلَى النَّخِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ فِي سُورَة النِّسَاء [٢٩] وَفِي مَوَاضِعَ.
وَما كَسَبَ مَوْصُولٌ وَصِلَتُهُ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ جَوَازًا لِأَنَّهُ ضَمِيرُ نَصْبٍ، وَالتَّقْدِيرُ:
وَمَا كَسَبَهُ، أَيْ مَا جَمَعَهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ: مَا يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ النَّعَمِ مِنْ نُقُودٍ وَسِلَاحٍ وَرَبْعٍ وَعُرُوضٍ وَطَعَامٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِمَالِهِ: جَمِيعُ مَالِهِ، وَيَكُونَ عَطْفُ وَما كَسَبَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، أَيْ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ التَّالِدُ وَهُوَ مَا وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمَا كَسَبَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ طَرِيفُهُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ قَالَ: «إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ ابْنُ أَخِي حَقًّا فَأَنَا أَفْتَدِي نَفْسِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَالِي وَوَلَدِي» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مَا كَسَبَ هُوَ وَلَدُهُ فَإِنَّ الْوَلَدَ من كسب أَبِيه.
[٣]
[سُورَة المسد (١١١) : آيَة ٣]
سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ (٣)
بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ أَيْ لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَنَزَلَ هَذَا الْقُرْآنُ فِي حَيَاةِ أَبِي لَهَبٍ. وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ كَافِرًا، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِعْلَامًا بِأَنَّهُ لَا يُسْلِمُ وَكَانَتْ من دَلَائِل النبوءة.
وَالسِّينُ لِلتَّحْقِيقِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [يُوسُف: ٩٨] .
وَ «يَصْلَى نَارًا» يُشْوَى بِهَا وَيَحِسُّ بِإِحْرَاقِهَا. وَأَصَّلُ الْفِعْلِ: صَلَاهُ بِالنَّارِ، إِذَا