للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُمْ يَهْتَدُونَ لِمُجَرَّدِ تَقَوِّي الْحُكْمِ، إِذْ لَا يَسْمَحُ الْمَقَامُ بِقَصْدِ الْقَصْرِ وَإِنْ تَكَلَّفَهُ فِي «الْكَشَّاف» .

[١٧، ١٨]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : الْآيَات ١٧ إِلَى ١٨]

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)

بَعْدَ أَنْ أُقِيمَتِ الدَّلَائِلُ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى

خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ [سُورَة النَّحْل: ٣] وَثَبَتَتِ الْمِنَّةُ وَحُقَّ الشُّكْرُ، فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ هَاتَانِ الْجُمْلَتَانِ لِتَكُونَا كَالنَّتِيجَتَيْنِ لِلْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ إِنْكَارًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ. فَالِاسْتِفْهَامُ عَنِ الْمُسَاوَاةِ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ لَا يَسْتَوِي مَنْ يَخْلُقُ بِمَنْ لَا يَخْلُقُ. فَالْكَافُ لِلْمُمَاثَلَةِ، وَهِيَ مَوْرِدُ الْإِنْكَارِ حَيْثُ جَعَلُوا الْأَصْنَامَ آلِهَةً شَرِيكَةً لِلَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ مَضْمُونِ الصِّلَتَيْنِ يُعْرَفُ أَيُّ الْمَوْصُولَيْنِ أَوْلَى بِالْإِلَهِيَّةِ فَيَظْهَرُ مَوْرِدُ الْإِنْكَارِ.

وَحِينَ كَانَ الْمُرَادُ بِمَنْ لَا يَخْلُقُ الْأَصْنَامَ كَانَ إِطْلَاقُ «مَنْ» الْغَالِبَةُ فِي الْعَاقِلِ مُشَاكَلَةً لِقَوْلِهِ أَفَمَنْ يَخْلُقُ.

وَفُرِّعَ عَلَى إِنْكَارِ التَّسْوِيَةِ اسْتِفْهَامٌ عَنْ عَدَمِ التَّذَكُّرِ فِي انْتِفَائِهَا. فَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ:

أَفَلا تَذَكَّرُونَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى انْتِفَاءِ التَّذَكُّرِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُخَاطَبِينَ، فَهُوَ إِنْكَارٌ عَلَى إِعْرَاضِ الْمُشْرِكِينَ عَنِ التَّذَكُّرِ فِي ذَلِكَ.

جملَة وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. وَهِيَ كَالتَّكْمِلَةِ لَهَا لِأَنَّهَا نَتِيجَةٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ تِلْكَ الْأَدِلَّةُ مِنْ الِامْتِنَانِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ لِلِامْتِنَانِ لِأَنَّ فِيهَا عُمُومًا يَشْمَلُ النِّعَمَ الْمَذْكُورَةَ وَغَيْرَهَا.

وَهَذَا كَلَامٌ جَامِعٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى وَفْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ عَدَّهَا الْعَادُّونَ، وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ التَّنْبِيهُ إِلَى كَثْرَتِهَا بِمَعْرِفَةِ أُصُولِهَا وَمَا يَحْوِيهَا مِنَ الْعَوَالِمِ.