للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٢١]

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١)

اسْتِئْنَاف ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى [الْبَقَرَة: ١٢٠] مَعَ قَوْلِهِ: إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى [الْبَقَرَة: ١٢٠] لِتَضَمُّنِهِ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَيْسُوا يَوْمَئِذٍ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْهُدَى؟ كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ: كَيْفَ وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِشَرِيعَةٍ؟ وَمَنِ الَّذِي هُوَ عَلَى هُدًى مِمَّنِ اتَّبَعَ هَاتَيْنِ الشَّرِيعَتَيْنِ؟ فَأُجِيبُ بِأَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَتَلَوْهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ هُمُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اعْتِرَاضًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ لِبَيَانِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِقَصْدِ إِبْطَالِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْإِيمَانِ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ

[الْبَقَرَة: ٩١] إِلَخْ. وَهُوَ صَدْرُ هَاتِهِ الْمُحَاوَرَاتِ وَمَا تَخَلَّلَهَا مِنَ الْأَمْثَالِ وَالْعِبَرِ وَالْبَيَانِ. فَقَوْلُهُ:

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ فَذْلَكَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَجَوَابٌ قَاطِعٌ لِمَعْذِرَتِهِمُ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ. وَلِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ وَلَمْ تُعْطَفْ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْجَوَابِ، وَلِأَنَّ الْمَحْكِيَّ بِهَا مُبَايِنٌ لِمَا يُقَابِلُهُ الْمُتَضَمِّنُ لَهُ قَوْلُهُ: قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَلَمَّا انْتُقِلَ مِنْهُ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْبَقَرَة: ١١٦] وَقَوْلُهُ: وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: ١١٨] . وَقَوْلُهُ: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ حَالٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِذْ هُمُ الْآنَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ. وَانْتَصَبَ حَقَّ تِلاوَتِهِ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْمَصْدَرِ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ تِلَاوَة حَقًا.

و (الْحق) هُنَا ضِدُّ الْبَاطِلِ أَيْ تِلَاوَةً مُسْتَوْفِيَةً قِوَامَ نَوْعِهَا لَا يَنْقُصُهَا شَيْءٌ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي التِّلَاوَةِ وَتِلْكَ هِيَ التِّلَاوَةُ بِفَهْمِ مَقَاصِدِ الْكَلَامِ الْمَتْلُوِّ فَإِنَّ الْكَلَامَ يُرَادُ مِنْهُ إِفْهَامُ السَّامِعِ فَإِذَا تَلَاهُ الْقَارِئُ وَلَمْ يَفْهَمْ جَمِيعَ مَا أَرَادَهُ قَائِلُهُ كَانَتْ تِلَاوَتُهُ غَامِضَةً، فَحَقُّ التِّلَاوَةِ هُوَ الْعِلْمُ بِمَا فِي الْمَتْلُوِّ.

وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ جُمْلَةٌ هِيَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ اسْمُ الْمَوْصُولِ، وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي تَعْرِيفِهِمْ دُونَ الضَّمِيرِ وَغَيْرِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْأَوْصَافَ الْمُتَقَدِّمَةَ الَّتِي اسْتُحْضِرُوا