للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٣٢- ٣٧]

[سُورَة المدثر (٧٤) : الْآيَات ٣٢ الى ٣٧]

كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦)

لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧)

كَلَّا.

كَلَّا حَرْفُ رَدْعٍ وَإِبْطَالٍ. وَالْغَالِبُ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ كَلَامٍ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَسَامِعٍ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشُّعَرَاء: ٦١، ٦٢] فَيُفِيدُ الرَّدْعَ عَمَّا تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ الْمَحْكِيُّ قَبْلَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٧٩] ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْكَلَامِ إِذَا أُرِيدَ التَّعْجِيلُ بِالرَّدْعِ وَالتَّشْوِيقُ إِلَى سَمَاعِ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ هُنَا مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ إِبْطَالًا لِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا، فَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَالْقَمَرِ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ فَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى كَلَّا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَرْفَ إِبْطَالٍ مُقَدَّمًا عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ تَقْدِيمَ اهْتِمَامٍ لِإِبْطَالِ مَا يَجِيءُ بَعْدَهُ مِنْ مَضْمُونِ قَوْلِهِ: نَذِيراً لِلْبَشَرِ، أَيْ مِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَنْتَذِرُوا بِهَا فَلَمْ يَنْتَذِرْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى نَحْوِ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى [الْفجْر: ٢٣] فَيَحَسُنُ أَنْ تُوصَلَ فِي الْقِرَاءَةِ بِمَا بعْدهَا.

أدبر وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ

شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) .

الْوَاوُ الْمُفْتَتَحُ بِهَا هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاوُ الْقَسَمِ، وَهَذَا الْقَسَمُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَذْيِيلًا لِمَا قَبْلَهُ مُؤَكِّدًا لِمَا أَفَادَتْهُ كَلَّا مِنَ الْإِنْكَارِ وَالْإِبْطَالِ لِمَقَالَتِهِمْ فِي شَأْنِ عِدَّةِ خَزَنَةِ النَّارِ، فَتَكُونَ جُمْلَةُ إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ تَعْلِيلًا لِلْإِنْكَارِ الَّذِي أَفَادَتْهُ كَلَّا وَيَكُونَ ضَمِيرُ إِنَّها عَائِدًا إِلَى سَقَرَ [المدثر: ٢٦] ، أَيْ هِيَ جَدِيرَةٌ بِأَنْ يُتَذَكَّرَ بِهَا فَلِذَلِكَ كَانَ مَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ بِهَا حَقِيقًا بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَرَدْعِهِ.

وَجُمْلَةُ الْقَسَمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَةِ وَتَعْلِيلِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَسَمُ صَدْرًا لِلْكَلَامِ الَّذِي بَعْدَهُ وَجُمْلَةُ إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ جَوَابُ الْقَسَمِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى سَقَرَ، أَيْ أَنَّ سَقَرَ لَأَعْظَمُ الْأَهْوَالِ، فَلَا تَجْزِي فِي مَعَادِ ضَمِيرِ إِنَّها جَمِيعُ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي جَرَتْ فِي ضَمِيرِ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى [المدثر: ٣١] .