وَأَطْلَقَ الْأَشْيَاعَ هُنَا عَلَى الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ فِي الْكُفْرِ عَلَى طَرِيقِ الْاِسْتِعَارَةِ بِتَشْبِيهِهِمْ وَهُمْ مُنْقَرَضُونَ بِأَشْيَاعٍ مَوْجُودِينَ.
وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْإِنْذَارِ قَوْلَهُ: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي هَذِه السُّورَة.
[٥٢]
[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : آيَة ٥٢]
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي قَوْلِهِ: فَعَلُوهُ عَائِدًا إِلَى أَشْياعَكُمْ [الْقَمَر:
٥١] ، وَالْمَعْنَى: أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا وَهَيَّأْنَا لَهُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ فَكُتِبَ فِي صَحَائِفِ الْأَعْمَالَ كُلُّ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْكُفْرِ وَفُرُوعِهِ، فَالْكِنَايَةُ فِي الزُّبُرِ وَقعت هُنَا كِنَايَة عَنْ لَازِمِهَا وَهُوَ الْمُحَاسَبَةُ بِهِ فِيمَا بَعْدُ وَعَنْ لَازِمٍ لَازَمَهَا وَهُوَ الْعِقَابُ بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ.
وَهَذَا الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْرِيضِ بِالْمُخَاطَبِينَ بِأَنَّهُمْ إِذَا تَعَرَّضُوا لِمَا يُوقِعُ عَلَيْهِمُ الْهَلَاكَ فِي الدُّنْيَا فَلَيْسَ ذَلِكَ قُصَارَى عَذَابِهِمْ فَإِنَّ بَعْدَهُ حِسَابًا عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ يُعَذَّبُونَ بِهِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ [الطّور: ٤٧] .
وَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْجَمْعِ مِنْ قَوْلِهِ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ [الْقَمَر:
٤٥] أَو إِلَى الْمُجْرِمِينَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ [الْقَمَر: ٤٧] إِلَخْ، وَالْمَعْنَى كُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ شِرْكٍ وَأَذًى لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَعْدُودٌ عَلَيْهِمْ مُهَيَّأٌ عِقَابُهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ إِحْصَاءِ أَعمال الْأُمَم الماضين قَدْ أَغْنَى عَنْهُ الْإِخْبَارُ عَنْ
إِهْلَاكِهِمْ، فَالْأَجْدَرُ تَحْذِيرُ الْحَاضِرِينَ مِنْ سُوءِ أَعْمَالِهِمْ.
والزُّبُرِ: جَمْعُ زَبُورٍ وَهُوَ الْكِتَابُ مُشْتَقٌّ مِنَ الزُّبُرِ، وَهُوَ الْكِتَابَةُ، وَجُمِعَتِ الزُّبُرُ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ كِتَابَ أَعْمَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ [الْإِسْرَاء: ١٣، ١٤] الْآيَةَ.
وَعُمُومُ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ مُرَادٌ بِهِ خُصُوصَ مَا كَانَ مِنَ الْأَفْعَالِ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ فِي الْآخِرَة.