للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوُقُوعُ الْخَبِيرِ بَعْدَ اللَّطِيفِ عَلَى الْمَحْمَلِ الْأَوَّلِ وُقُوعُ صِفَةٍ أُخْرَى هِيَ أَعَمُّ مِنْ مَضْمُونِ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، فَيَكْمُلُ التَّذْيِيلُ بِذَلِكَ وَيَكُونُ التَّذْيِيلُ مُشْتَمِلًا عَلَى مُحَسِّنِ النَّشْرِ بَعْدَ اللَّفِّ وَعَلَى الْمَحْمَلِ الثَّانِي مَوْقِعُهُ مَوْقِعُ الِاحْتِرَاسِ لِمَعْنَى اللَّطِيفِ، أَيْ هُوَ الرَّفِيقُ الْمُحْسِنُ الْخَبِيرُ بِمَوَاقِعِ الرِّفْقِ وَالْإِحْسَان وبمستحقّيه.

[١٠٤]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٠٤]

قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤)

هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ، وَإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى - إِلَى قَوْلِهِ- وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الْأَنْعَام: ٩٥- ١٠٣] . فَاسْتُؤْنِفَ الْكَلَامُ بِتَوْجِيهِ خِطَابٍ لِلنَّبِيءِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مَقُولٍ لِفِعْلِ أَمْرٍ بِالْقَوْلِ فِي أَوَّلِ الْجُمْلَةِ، حُذِفَ عَلَى الشَّائِعِ مِنْ حَذْفِ الْقَوْلِ لِلْقَرِينَةِ فِي قَوْلِهِ: وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [الْأَنْعَام:

١٠٤] . وَمُنَاسِبَةُ وُقُوعِ هَذَا الِاسْتِئْنَافِ عَقِبَ الْكَلَامِ الْمَسُوقِ إِلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ كَالتَّوْقِيفِ وَالشَّرْحِ وَالْفَذْلَكَةِ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ فَيُقَدَّرُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ.

وَبَصَائِرُ جَمْعُ بَصِيرَةٍ، وَالْبَصِيرَةُ: الْعَقْلُ الَّذِي تَظْهَرُ بِهِ الْمَعَانِي وَالْحَقَائِقُ، كَمَا أَنَّ الْبَصَرَ إِدْرَاكُ الْعَيْنِ الَّذِي تَتَجَلَّى بِهِ الْأَجْسَامُ، وَأُطْلِقَتِ الْبَصَائِرُ عَلَى مَا هُوَ سَبَبٌ فِيهَا.

وَإِسْنَادُ الْمَجِيءِ إِلَى الْبَصَائِرِ اسْتِعَارَةٌ لِلْحُصُولِ فِي عُقُولِهِمْ، شُبِّهَ بِمَجِيءِ شَيْءٍ كَانَ غَائِبًا، تَنْوِيهًا بِشَأْنِ مَا حَصَلَ عِنْدَهُمْ بِأَنَّهُ كَالشَّيْءِ الْغَائِبِ الْمُتَوَقَّعِ مَجِيئُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [الْإِسْرَاء: ٨١] . وَخُلُوُّ فِعْلِ «جَاءَ» عَنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ مَعَ أَنَّ فَاعِلَهُ جَمْعُ مُؤَنَّثٍ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُسْنَدَ إِلَى جَمْعِ تَكْسِيرٍ مُطْلَقًا أَوْ جَمْعِ مُؤَنَّثٍ يَجُوزُ اقْتِرَانُهُ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَخُلُوُّهُ عَنْهَا.

وَ (مِنْ) ابْتِدَائِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِ «جَاءَ» أَوْ صِفَةٌ لِ بَصائِرُ، وَقَدْ جُعِلَ خِطَابُ اللَّهِ بِهَا