وَاللَّطِيفُ: صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ أَوِ اسْمُ فَاعِلٍ. فَإِنِ اعْتُبِرَتْ وَصْفًا جَارِيًا عَلَى لَطُفَ- بِضَمِّ الطَّاءِ- فَهِيَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ صِفَةُ تَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنْ إِحَاطَةِ الْعُقُولِ بِمَاهِيَّتِهِ أَوْ إِحَاطَةِ الْحَوَاسِّ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، فَيَكُونُ اخْتِيَارُهَا لِلتَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ فِي جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مُنْتَهَى الصَّرَاحَةِ وَالرَّشَاقَةِ فِي الْكَلِمَةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مَادَّةٍ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تُقَرِّبُ مَعْنَى وَصْفِهِ تَعَالَى بِحَسَبِ مَا وُضِعَتْ لَهُ اللُّغَةُ مِنْ مُتَعَارَفِ النَّاسِ، فَيَقْرُبُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ أَعَمَّ مِنْ مَدْلُولِ جُمْلَةِ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، فَتَتَنَزَّلُ مِنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مَنْزِلَةَ التَّذْيِيلِ أَوْ مَنْزِلَةَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْجُزْئِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَزِيدُ الْوَصْفُ قَبْلَهُ تَمَكُّنًا. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَمَلَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْكَشَّافِ» لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَهُوَ مِنْ مَعَانِي الْكَلِمَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْفَخْرُ وَجَوَّزَهُ الرَّاغِبُ وَالْبَيْضَاوِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّفْسِيرُ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ اقْتَرَنَ فِيهِ وَصْفُ اللَّطِيفِ بِوَصْفِ الْخَبِيرِ كَالَّذِي هُنَا وَالَّذِي فِي سُورَةِ الْمُلْكِ.
وَإِنِ اعْتُبِرَ اللَّطِيفُ اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ لَطَفَ- بِفَتْحِ الطَّاءِ- فَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ يَدُلُّ عَلَى وَصْفِهِ تَعَالَى بِالرِّفْقِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى مَخْلُوقَاتِهِ وَإِتْقَانِ صُنْعِهِ فِي ذَلِكَ وَكَثْرَةِ فِعْلِهِ ذَلِكَ، فَيَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَمَلَهُ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُبَيِّنِينَ لِمَعْنَى اسْمِهِ اللَّطِيفِ فِي عِدَادِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى. وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُنَاسِبُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَاءَ فِيهِ وَصْفُهُ تَعَالَى بِهِ مُفْرَدًا مُعَدًّى بِاللَّامِ أَوْ بِالْبَاءِ نَحْوِ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ [يُوسُف:
١٠٠] ، وَقَوْلِهِ: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ [الشورى: ١٩] . وَبِهِ فَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ تَعَالَى: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ فَلِلَّهِ دَرُّهُ، فَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ هُنَا كَانَ وَصْفًا مُسْتَقِلًّا عَمَّا قَبْلَهُ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ اسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى لِلْإِفْرَادِ بِالْعِبَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَ «خَبِيرٌ» صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ خَبُرَ- بِضَمِّ الْبَاءِ- فِي الْمَاضِي، خُبْرًا- بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ- بِمَعْنَى عَلِمَ وَعَرَفَ، فَالْخَبِيرُ الْمَوْصُوفُ بِالْعِلْمِ بِالْأُمُورِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ يُخْبِرَ عَنْهَا عِلْمًا مُوَافِقًا لِلْوَاقِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute