وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَي الْأُمُور الْعَامَّة الْعَازِمُ أَصْحَابُهَا مَجَازًا عَقْلِيًّا.
وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ إِلَى الصَّبْرِ وَالْغُفْرَانِ الْمَأْخُوذَيْنِ مِنْ صَبَرَ وَغَفَرَ وَالْمُتَحَمِّلَيْنِ لِضَمِيرِ (مَنْ) الْمَوْصُولَةِ فَيَكُونُ صَوْغُ الْمَصْدَرِ مُنَاسِبًا لِمَا مَعَهُ مِنْ ضَمِيرٍ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّ صَبْرَهُ وَغَفْرَهُ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.
وَهَذَا تَرْغِيبٌ فِي الْعَفْوِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى وَذَلِكَ بَيْنَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعَ الْكَافِرِينَ فَتَعْتَرِيهِ أَحْوَالٌ تَخْتَلِفُ بِهَا أَحْكَامُ الْغُفْرَانِ، وَمِلَاكُهَا أَنْ تَتَرَجَّحَ الْمَصْلَحَةُ فِي الْعَفْوِ أَوْ فِي الْمُؤَاخَذَةِ.
[٤٤]
[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٤٤]
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤)
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ.
بَعْدَ أَنْ حَكَى أَصْنَافًا مِنْ كُفْرِ الْمُشْرِكِينَ، وَعِنَادِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ وَمَا فِي مَطَاوِيهَا مِنَ النِّعَمِ وَحَذَّرَهُمْ مِنَ الْغُرُورِ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا الزَّائِلِ أَعْقَبَهُ بَقَوْلِهِ: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ [الشورى: ٤٢] .
وَالْمَعْنَى: أَن فِيمَا سمعتهم هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَهْتَدِيَ، وَأَمَّا مَنْ قَدَّرَ الله عَلَيْهِ بالضلال فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ غَيْرِ اللَّهِ يَهْدِيهِ أَوْ يُنْقِذُهُ، فَالْمُرَادُ نَفْيُ الْوَلِيِّ الَّذِي يُصْلِحُهُ وَيُرْشِدُهُ، كَقَوْلِهِ: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً [الْكَهْف: ١٧] ، فَالْمُرَادُ هُنَا ابْتِدَاءُ مَعْنًى خَاصٍّ مِنَ الْوِلَايَةِ.
وَإِضْلَالُ اللَّهِ الْمَرْءَ: خَلْقُهُ غَيْرَ سَرِيعٍ لِلِاهْتِدَاءِ أَوْ غَيْرَ قَابِلٍ لَهُ وَحِرْمَانُهُ مِنْ تَدَارُكِهِ إِيَّاهُ بِالتَّوْفِيقِ كُلَّمَا تَوَغَّلَ فِي الضَّلَالَةِ، فَضَلَالُهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِ اللَّهِ لَهُ، وَاللَّهُ دَعَا النَّاسَ إِلَى الْهِدَايَةِ بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِ وَشَرَائِعِهِ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [يُونُس: ٢٥] أَيْ يَدْعُو كُلَّ عَاقِلٍ وَيَهْدِي بَعْضَ مَنْ دَعَاهُمْ.
ومَنْ شَرْطِيَّةٌ، وَالْفَاءُ فِي فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ رَابِطَةٌ لِلْجَوَابِ. وَنَفْيُ الْوَلِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute