فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْكَوْنِ فِي مُلْكِ اللَّهِ قَصْرًا ادِّعَائِيًّا لِأَنَّ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ تَدْبِيرَ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُدَبِّرُ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ تَدْبِيرُهُ رَاجِعًا إِلَى تَدْبِيرِ اللَّهِ كَمَا قِيلَ فِي قِصَرِ جِنْسِ الْحَمْدِ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: ٢] .
وَجُمْلَةُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ تَذْيِيلٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ وَجُمْلَةِ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الْأَعْرَاف: ٥٥] إِذْ قَدْ تَهَيَّأَ الْمَقَامُ لِلتَّذْكِيرِ بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ، وَبِنَافِعِ تَصَرُّفَاتِهِ، عَقِبَ مَا أَجْرَى مِنْ إِخْبَارٍ عَنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَسِعَةِ عِلْمِهِ وَإِتْقَانِ صُنْعِهِ.
وَفِعْلُ تَبارَكَ فِي صُورَةِ اشْتِقَاقِهِ يُؤْذِنُ بِإِظْهَارِ الْوَصْفِ عَلَى صَاحِبِهِ الْمُتَّصِفِ بِهِ مِثْلُ: تَثَاقَلَ، أَظْهَرَ الثِّقَلَ فِي الْعَمَلِ، وَتَعَالَلَ، أَيْ أَظْهَرَ الْعِلَّةَ، وَتَعَاظَمَ: أَظْهَرَ الْعَظَمَةَ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى ظُهُورِ الْفِعْلِ عَلَى الْمُتَّصِفِ بِهِ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى كَأَنَّ صَاحِبَهُ يُظْهِرُهُ، وَمِنْهُ: تَعالَى اللَّهُ [النَّمْل: ٦٣] أَيْ ظَهَرَ عُلُوُّهُ، أَيْ شَرَفُهُ عَلَى الْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا، وَمِنْهُ تَبارَكَ أَيْ ظَهَرَتْ بَرَكَتُهُ.
وَالْبَرَكَةُ: شِدَّةُ الْخَيْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٩٦] ، وَقَوْلِهِ: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٩٢] . فَبَرَكَةُ اللَّهِ الْمَوْصُوفُ بِهَا هِيَ مَجْدُهُ وَنَزَاهَتُهُ وَقُدْسُهُ، وَذَلِكَ جَامِعٌ
صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ.
وَاتْبَاعُ اسْمِ الْجَلَالَةِ بِالْوَصْفِ وَهُوَ رَبُّ الْعالَمِينَ فِي مَعْنَى الْبَيَانِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْبَرَكَةِ وَالْمَجْدِ، لِأَنَّهُ مُفِيضُ خَيْرَاتِ الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ، وَمُدَبِّرُ أَحْوَالِ الْمَوْجُودَاتِ، بِوَصْفِ كَوْنِهِ رَبَّ أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمَضَى الْكَلَامُ عَلَى الْعالَمِينَ فِي سُورَة الْفَاتِحَة [٢] .
[٥٥]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ٥٥]
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)
اسْتِئْنَافٌ جَاءَ مُعْتَرِضًا بَيْنَ ذِكْرِ دَلَائِلِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِذِكْرِ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَكْوِينِ أَشْيَاءَ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي تَكْوِينِهَا. فَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute