اللِّبَاسِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنِ النَّهَارِ حَقِيقِيًّا، وَالْمِنَّةُ فِي أَنَّ النَّهَارَ يَنْتَشِرُ فِيهِ النَّاسُ لِحَوَائِجِهِمْ وَاكْتِسَابِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ بَعْثُ الْأَجْسَادِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيه البليغ.
[٤٨- ٥٠]
[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : الْآيَات ٤٨ إِلَى ٥٠]
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠)
اسْتِدْلَالٌ عَلَى الِانْفِرَادِ بِالْخَلْقِ وَامْتِنَانٌ بِتَكْوِينِ الرِّيَاحِ وَالْأَسْحِبَةِ وَالْمَطَرِ. وَمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ مِنْ حَيْثُ مَا فِي الِاسْتِدْلَالِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ ذِكْرِ حَالِ النُّشُورِ وَالِامْتِنَانِ بِهِ فَانْتَقَلَ إِلَى مَا فِي الرِّيَاحِ مِنَ النُّشُورِ بِذِكْرِ وَصْفِهَا بِأَنَّهَا نُشُرٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، أَوْ لِكَوْنِهَا كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ عَلَى قِرَاءَةِ عَاصِمٍ. وَمَرْدُودُ الِاسْتِدْلَالِ قَصْرُ إِرْسَالِ الرِّيَاحِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إِبْطَالًا لِادِّعَاءِ الشُّرَكَاءِ لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ بِنَفْيِ الشَّرِكَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْكَائِنَاتِ وَذَلِكَ مَا لَا يُنْكِرُهُ الْمُشْرِكُونَ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً [الْفرْقَان: ٤٧] إِلَخْ..
وَأُطْلِقَ عَلَى تَكْوِينِ الرِّيَاحِ فِعْلُ أَرْسَلَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي بَعْثِ شَيْءٍ وَتَوْجِيهِهِ، لِأَنَّ حَرَكَةَ الرِّيَاحِ تُشْبِهُ السَّيْرَ. وَقَدْ شَاعَ اسْتِعْمَالُ الْإِرْسَالِ فِي إِطْلَاقِ الْعَنَانِ لِخَيْلِ السباق.
وَهَذَا الِاسْتِدْلَال بدقيق صنع اللَّهِ فِي تَكْوِينِ الرِّيَاحِ، فَالْعَامَّةُ يَعْتَبِرُونَ بِمَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ
مُشَاهَدَتِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَالْخَاصَّةُ يُدْرِكُونَ كَيْفِيَّةَ حُدُوثِ الرِّيَاحِ وَهُبُوبِهَا واختلافها، وَذَلِكَ ناشىء عَنِ الْتِقَاءِ حَرَارَةِ جَانِبٍ مِنَ الْجَوِّ بِبُرُودَةِ جَانِبٍ آخَرَ. ثُمَّ إِنَّ الرِّيَاحَ بِهُبُوبِهَا حَارَّةً مَرَّةً وَبَارِدَةً أُخْرَى تُكَوِّنُ الْأَسْحِبَةَ وَتُؤْذِنُ بِالْمَطَرِ فَلِذَلِكَ وُصِفَتْ بِأَنَّهَا نُشُرٌ بَيْنَ يَدَيِ الْمَطَرِ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ أَرْسَلَ الرِّياحَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ الرِّيحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute