للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُبْتَدَأِ. وَالتَّقْدِيرُ: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ لِلْمُهَاجِرِينَ الْفُقَرَاءِ إِلَى آخَرِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَتَكُونُ هَذِهِ مَصَارِفُ أُخْرَى لِلْفَيْءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا مَعْطُوفَةً بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى طَرِيقَةِ التِّعْدَادِ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قِيلَ: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ. فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَنْتَفِي كَوْنُهَا قَيْدًا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قبلهَا، وتنفتح طرائق أُخْرَى فِي حَمْلِ الْمُطَلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَالِاخْتِلَافِ فِي شُرُوطِ الْحمل، وَهِي طرائق وَاضِحَةٌ لِلْمُتَأَمِّلِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُعَوَّلُ.

وَوُصِفَ الْمُهَاجِرُونَ بِالَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ إِعْطَاءَهُمْ مُرَاعًى جَبْرَ مَا نُكِبُوا بِهِ مِنْ ضَيَاعِ الْأَمْوَالِ وَالدِّيَارِ، وَمُرَاعًى فِيهِ إِخْلَاصُهُمُ الْإِيمَانَ وَأَنَّهُمْ مُكَرِّرُونَ نَصْرَ دِينِ الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَيَّلَ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِتَعْظِيمِ شَأْنِهِمْ وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ وَصْفَ الصَّادِقِينَ لِأَجْلِ مَا

سَبَقَ اسْمَ الْإِشَارَةِ مِنَ الصِّفَاتِ وَهِيَ أَنَّهُمْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَابْتِغَاؤُهُمْ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَنَصْرُهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ الْخَالِصَةَ فِيمَا عُمِلَتْ لِأَجْلِهِ يَشْهَدُ لِلْإِخْلَاصِ فِيهَا مَا يَلْحَقُ عَامِلَهَا مِنْ مَشَاقٍّ وَأَذًى وَإِضْرَارٍ، فَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ مِنْهَا لَوْ تَرَكَ مَا عَمِلَهُ لِأَجْلِهَا أَوْ قَصَّرَ فِيهِ.

وَجُمْلَةُ هُمُ الصَّادِقُونَ مُفِيدَةٌ الْقَصْرَ لِأَجْلِ ضَمِيرِ الْفَصْلِ وَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِمْ بِالصِّدْقِ الْكَامِلِ كَأَنَّ صِدْقَ غَيْرِهِمْ لَيْسَ صِدْقًا فِي جَانِبِ صِدْقِهِمْ.

وَمَوْقِعُ قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٥] .

[٩]

[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : آيَة ٩]

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)

الْأَظْهَرُ أَنَّ الَّذِينَ عَطْفٌ على الْمُهاجِرِينَ [الْحَشْر: ٨] أَيْ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ.