للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا يَتَضَمَّنُ وَعْدًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، وَلِذَلِكَ أَذِنَ رَسُولُهُ بِالْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِئَلَّا يَحُلَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ تَكْرِمَةً لَهُمْ كَمَا أَكْرَمَ لُوطًا وَأَهْلَهُ، وَكَمَا أَكْرَمَ نُوحًا وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الْأَنْفَال: ٣٣] ثُمَّ قَوْلُهُ: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ [الْأَنْفَال: ٣٤] .

[٤٨، ٤٩]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : الْآيَات ٤٨ إِلَى ٤٩]

وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ [الْأَنْعَام: ٤٦] .

وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ صُدُوفَهُمْ وَإِعْرَاضَهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّلُونَ لَهُ بِأَنَّهُمْ يَرُومُونَ آيَاتٍ عَلَى وَفْقِ مُقْتَرَحِهِمْ

وَأَنَّهُمْ لَا يَقْنَعُونَ بِآيَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الْإِسْرَاء: ٩٠] إِلَى آخِرِ مَا حُكِيَ عَنْهُمْ فِي تِلْكَ الْآيَةِ، فَأَنْبَأَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ لِلتَّبْلِيغِ وَالتَّبْشِيرِ وَالنِّذَارَةِ لَا لِلتَّلَهِّي بِهِمْ بِاقْتِرَاحِ الْآيَاتِ.

وَعَبَّرَ بِ نُرْسِلُ دُونَ أَرْسَلْنَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ الْإِرْسَالِ مُقَارِنًا لِهَذَيْنِ الْحَالَيْنِ، أَيْ مَا أَرْسَلْنَا وَمَا نُرْسِلُ، فَقَوْلُهُ: مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ حَالَانِ مُقَدَّرَتَانِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ وَمُحَقَّقَتَانِ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي.

وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَحْوَالٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ مَا أَرْسَلْنَاهُمْ إِلَّا فِي حَالَةِ كَوْنِهِمْ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.

وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمُوا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْتِهِمْ بِآيَةٍ كَمَا اقْتَرَحُوا فَلَيْسَ بِرَسُولٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ، أَيْ لَمْ نُرْسِلِ الرَّسُولَ لِلْإِعْجَابِ بِإِظْهَارِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ.

وَكَنَّى بِالتَّبْشِيرِ وَالْإِنْذَارِ عَنِ التَّبْلِيغِ لِأَنَّ التَّبْلِيغَ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَيْنِ وَهُمَا التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ، فَحَصَلَ بِهَذِهِ الْكِنَايَةِ إِيجَازٌ إِذِ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ اللَّازِمِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَلْزُومِ.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ آمَنَ لِلتَّفْرِيعِ، أَيْ فَمَنْ آمَنَ مِنَ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ فَلَا خَوْفٌ إِلَخْ.