للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِرْجَاعُهُمْ إِلَى الدُّنْيَا لِيَعْمَلُوا الصَّالِحَاتِ مُقْتَضًى لِحِكْمَتِنَا لَكُنَّا جَبَلْنَاهُمْ عَلَى الْهُدَى فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا فَكَانُوا يَأْتُونَ الصَّالِحَاتِ بِالْقَسْرِ وَالْإِلْجَاءِ. فَالْمُرَادُ الْقَوْلُ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالضَّلَالِ.

والْجِنَّةِ: الجنّ وهم الشَّيَاطِين.

وَجَعَلَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ قَوْلَهُ وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها إِلَى آخِرِهِ جَوَابًا مُوَجَّهًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الْمُجْرِمِينَ عَنْ قَوْلِهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا [السَّجْدَة: ١٢] إِلَخْ.

وَوُجُودُ الْوَاوِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكَلَامِ يُنَادِي عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ جَوَابًا لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يُجْعَلُوا أَهْلًا لِتَلَقِّي هَذِهِ الْحِكْمَةِ بَلْ حَقُّهُمُ الْإِعْرَاضُ عَنْ جَوَابِهِمْ كَمَا جَاءَ فِي آيَة سُورَة الْمُؤمنِينَ [١٠٦- ١٠٨] : قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُلَاقِي سُؤَالَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا الرُّجُوعَ لِيَعْمَلُوا صَالِحًا وَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُمُ اعْتِذَارًا عَنْ ضَلَالِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُؤْتِهِمُ الْهُدَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ سَاقَهُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْمُؤْمِنِينَ لِيُحِيطُوا عِلْمًا بِدَقَائِقِ الْحِكْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ.

وَعَدَلَ عَنِ الْإِضَافَةِ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي فَلَمْ يَقُلْ: حَقَّ قَوْلِي، لِأَنَّهُ أُرِيدَ الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلٍ مَعْهُودٍ وَهُوَ مَا فِي سُورَةِ ص [٨٥] : لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ أَيْ حَقَّ الْقَوْلُ الْمَعْهُودُ. وَاجْتُلِبَتْ مِنَ الِابْتِدَائِيَّةُ لِتَعْظِيمِ شَأْنِ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنَ اللَّهِ.

وَعَدَلَ عَنْ ضَمِيرِ الْعَظَمَةِ إِلَى ضَمِيرِ النَّفْسِ لِإِفَادَةِ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ، مَعَ مَا فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ من التفنن.

[١٤]

[سُورَة السجده (٣٢) : آيَة ١٤]

فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤)

هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا [السَّجْدَة: ١٢] الَّذِي هُوَ إِقْرَارٌ بِصِدْقِ مَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ، الْمُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا. فَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ جَوَابٍ