للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَبَتِ

: أَصْلُهُ أَبِي، حَذَفُوا يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ وَعَوَّضُوا عَنْهَا تَاءً تَعْوِيضًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَهُوَ خَاصٌّ بِلَفْظِ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً، وَلَعَلَّهُ صِيغَةٌ بَاقِيَةٌ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ الْقَدِيمَةِ. وَرَأَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ التَّاءَ تَصِيرُ فِي الْوَقْفِ هَاءً، وَخَالَفَهُ الْفَرَّاءُ فَقَالَ: بِبَقَائِهَا فِي الْوَقْفِ. وَالتَّاءُ مَكْسُورَةٌ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنِ الْيَاءِ وَالْيَاءُ بِنْتُ الْكَسْرَةِ وَلَمَّا كَسَرُوهَا فَتَحُوا الْيَاءَ وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَر: (يأبت) - بِفَتْحِ التَّاءِ- دُونَ أَلِفٍ بَعْدَهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ (يَا أَبَتَا) بِأَلِفٍ بَعْدِ التَّاءِ لِأَنْ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ إِذَا نُودِيَ يَجُوزُ فَتْحُهَا وَإِشْبَاعُ فَتَحْتِهَا فَقَرَأَهُ عَلَى اعْتِبَارِ حَذْفِ الْأَلِفِ تَخْفِيفًا وَبَقَاء الفتحة.

[٤٣]

[سُورَة مَرْيَم (١٩) : آيَة ٤٣]

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣)

إِعَادَةُ نِدَائِهِ بِوَصْفِ الْأُبُوَّةِ تَأْكِيدٌ لِإِحْضَارِ الذِّهْنِ وَلِإِمْحَاضِ النَّصِيحَةِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «ثُمَّ ثَنَّى بِدَعْوَتِهِ إِلَى الْحَقِّ مُتَرَفِّقًا بِهِ مُتَلَطِّفًا، فَلَمْ يُسَمِّ أَبَاهُ بِالْجَهْلِ الْمُفْرِطِ وَلَا نَفْسَهَ بِالْعِلْمِ الْفَائِقِ وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَعِي طَائِفَةً مِنَ الْعِلْمِ لَيْسَتْ مَعَكَ، وَذَلِكَ عِلْمُ الدَّلَالَةِ عَلَى الطَّرِيقِ السَّوِيِّ، فَلَا تَسْتَنْكِفْ، وَهَبْ أَنِّي وَإِيَّاكَ فِي مَسِيرٍ وَعِنْدِي مَعْرِفَةٌ بِالْهِدَايَةِ دُونَكَ فَاتَّبِعْنِي أُنْجِكَ مِنْ أَنْ تَضِلَّ وَتَتِيهَ» اه. ذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَرَى نَفْسَهَ عَلَى عِلْمٍ عَظِيمٍ لِأَنَّهُ كَانَ كَبِيرَ دِيَانَةِ قَوْمِهِ. وَأَرَادَ إِبْرَاهِيمُ عِلْمَ الْوَحْيِ وَالنُّبُوءَةِ.

وَتَفْرِيعُ أَمْرِهِ بِأَنْ يَتَّبِعَهُ عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَقِّيَّةَ الْعَالَمِ بِأَنْ يُتَّبَعَ مَرْكُوزَةٌ فِي غَرِيزَةِ الْعُقُولِ لَمْ يَزَلِ