وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ (إِنَّ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَكْسُورَةً أَوْ مَفْتُوحَةً لِأَنَّهُ مَسُوقٌ إِلَى فَرِيقٍ يَعْتَقِدُونَ خِلَافَ ذَلِكَ مِنَ الْجِنِّ.
وَالِاقْتِصَارُ فِي بَيَانِ تَعَالِي جَدِّ اللَّهِ عَلَى انْتِفَاءِ الصَّاحِبَةِ عَنهُ وَالْولد ينبىء بِأَنَّهُ كَانَ شَائِعًا فِي عِلْمِ الْجِنِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ سَرَوَاتِ الْجِنِّ وَمَا اعْتِقَادُ الْمُشْركين إلّا ناشىء عَنْ تَلْقِينِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مِنَ الْجِنِّ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا سَمِعُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: سُبْحَانَهُ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠١] .
وَإِعَادَةُ لَا النَّافِيَةِ مَعَ الْمَعْطُوفِ لِلتَّأْكِيدِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ مَنْفِيٌّ بِاسْتِقْلَالِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ نَفْيِ الْمَجْمُوعِ.
وَضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: رَبِّنا عَائِدٌ إِلَى كُلِّ مُتَكَلِّمٍ مَعَ تَشْرِيكِ غَيْرِهِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْجِنِّ فَهُوَ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَقِيَّة النَّفر.
[٤]
[سُورَة الْجِنّ (٧٢) : آيَة ٤]
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (٤)
قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِكَسْرَةِ هَمْزَةِ وَأَنَّهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا [الْجِنّ: ٣] فَقَدْ يَكُونُ إِيمَانُهُمْ بِتَعَالِي اللَّهِ عَنْ أَنْ يَتَّخِذَ صَاحِبَةً وَوَلَدًا نَاشِئًا عَلَى مَا سَمِعُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدْ يَكُونُ نَاشِئًا عَلَى إِدْرَاكِهِمْ ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ نَظَرِيَّةٍ.
وَالسَّفِيهُ: هُنَا جِنْسٌ، وَقِيلَ: أَرَادُوا بِهِ إِبْلِيسَ، أَيْ كَانَ يُلَقِّنُهُمْ صِفَاتِ اللَّهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، أَيْ كَانُوا يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ شَطَطًا قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِتَسْفِيهِهِمْ فِي ذَلِكَ.
وَالشَّطَطُ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَمَا يَخْرُجُ عَنِ الْعَدْلِ وَالصَّوَابِ، وَتَقَدَّمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلا تُشْطِطْ فِي سُورَةِ ص [٢٢] . وَالْمُرَادُ بِالشَّطَطِ إِثْبَاتُ مَا نَفَاهُ قَوْلُهُ: وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً [الْجِنّ: ٢] وَقَوْلُهُ: مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً [الْجِنّ: ٣] وَضَمِيرُ وَأَنَّهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ.
وَالْقَوْلُ فِيهِ وَفِي التَّأْكِيدِ بِ (إِنَّ) مَكْسُورَةً أَوْ مَفْتُوحَةً كَالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا [الْجِنّ: ٣] إِلَخ.