للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ تَتَذَكَّرُونَ.

فَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقِرَاءَتُهُمْ بِقَلْبِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ ذَالًا لِتُقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا قَصْدًا لِلتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا عَاصِمٌ فَقِرَاءَتُهُ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ.

[٢٤]

[سُورَة الجاثية (٤٥) : آيَة ٢٤]

وَقالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤)

هَذَا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ

[الجاثية: ٢١] أَيْ بَعْدَ أَنْ جَادَلُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُ إِنْ كَانَ يُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَسَتَكُونُ عُقْبَاهُمْ خَيْرًا مِنْ عُقْبَى الْمُسْلِمِينَ، يَقُولُونَ ذَلِكَ لِقَصْدِ التَّوَرُّكِ وَهُمْ لَا يُوقِنُونَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ بَلْ ضَرَبُوهُ جَدَلًا وَإِنَّمَا يَقِينُهُمْ قَوْلُهُمْ مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا.

وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٢٩] وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وَضَمِيرُ هِيَ ضَمِيرُ الْقِصَّةِ وَالشَّأْنِ، أَيْ قِصَّةِ الْخَوْضِ فِي الْبَعْثِ تَنْحَصِرُ فِي أَنْ لَا حَيَاةَ بَعْدَ الْمَمَاتِ، أَيِ الْقِصَّةِ هِيَ انْتِفَاءُ الْبَعْثِ كَمَا أَفَادَهُ حَصْرُ الْأَمْرِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، أَيِ الْحَاضِرَةِ الْقَرِيبَةِ مِنَّا، أَيْ فَلَا تُطِيلُوا الْجِدَالَ مَعَنَا فِي إِثْبَاتِ الْبَعْثِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هِيَ ضَمِيرَ الْحَيَاةِ بِاعْتِبَارِ دِلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ الْحَيَاةِ فَيَكُونُ حَصْرًا لِجِنْسِ الْحَيَاةِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

وَجُمْلَةُ نَمُوتُ وَنَحْيا مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا أَيْ لَيْسَ بَعْدَ هَذَا الْعَالَمِ عَالَمٌ آخَرُ فَالْحَيَاةُ هِيَ حَيَاةُ هَذَا الْعَالَمِ لَا غَيْرَ فَإِذَا مَاتَ مَنْ كَانَ حَيًّا خَلْفَهُ مَنْ يُوجَدُ بَعْدَهُ. فَمَعْنَى نَمُوتُ وَنَحْيا يَمُوتُ بَعْضُنَا وَيَحْيَا بَعْضٌ أَيْ يَبْقَى حَيًّا إِلَى أَمَدٍ أَوْ يُولَدُ بَعْدَ مَنْ مَاتُوا. وَلِلدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا التَّطَوُّرِ عُبِّرَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ، أَيْ تَتَجَدَّدُ فِينَا الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ.

فَالْمَعْنَى: نَمُوتُ وَنَحْيَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَيْسَ ثَمَّةَ حَيَاةٌ أُخْرَى. ثُمَّ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَحْكِيَّةً بِلَفْظِ كَلَامِهِمْ فَلَعَلَّهَا مِمَّا جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ حِكَايَةً لِمَعْنَى كَلَامِهِمْ فَهِيَ مِنْ إِيجَازِ الْقُرْآنِ وَهُمْ إِنَّمَا قَالُوا: يَمُوتُ بَعْضُنَا وَيَحْيَا بَعْضُنَا ثُمَّ يَمُوتُ فَصَارَ كَالْمَثَلِ.