للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٦١- ٦٦]

[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ٦١ الى ٦٦]

فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥)

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦)

أَيْ لَمَّا بَلَغَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ قَرِيبًا مِنْ مَكَانِ جُمُوعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحَيْثُ يَرَى كُلُّ فَرِيقٍ

مِنْهُمَا الْفَرِيقَ الْآخَرَ. فَالتَّرَائِي تَفَاعُلٌ لِأَنَّهُ حُصُولُ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.

وَقَوْلُهُمْ: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ بِالتَّأْكِيدِ لِشِدَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْجَزَعِ. وكَلَّا رَدْعٌ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٧٩] كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ رَدَعَ بِهِ مُوسَى ظَنَّهُمْ أَنَّهُمْ يُدْرِكُهُمْ فِرْعَوْنُ، وَعَلَّلَ رَدْعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِجُمْلَةِ: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ.

وَإِسْنَادُ الْمَعِيَّةِ إِلَى الرَّبِّ فِي إِنَّ مَعِي رَبِّي عَلَى مَعْنَى مُصَاحَبَةِ لُطْفِ اللَّهِ بِهِ وَعِنَايَتِهِ بِتَقْدِيرِ أَسْبَابِ نَجَاتِهِ مِنْ عَدُوِّهِ. وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى وَاثِقٌ بِأَنَّ اللَّهَ مُنْجِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ [الشُّعَرَاء: ١٥] ، وَقَوْلِهِ: أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ [الشُّعَرَاء: ٥٢] كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّهُ وَعْدٌ بِضَمَانِ النَّجَاةِ.

وَجُمْلَةُ: سَيَهْدِينِ مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ حَالٌ مِنْ رَبِّي. وَلَا يَضُرُّ وُجُودُ حَرْفِ الِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّ الْحَالَ مُقَدَّرَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: ٩٩] . وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ سَيُبَيِّنُ لِي سَبِيلَ سَلَامَتِنَا مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ. وَاقْتَصَرَ مُوسَى عَلَى نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا ضَمِنَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مَعِيَّةِ الْعِنَايَةِ فَإِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ عَلِمُوا أَنَّ هِدَايَتَهُ تَنْفَعُهُمْ لِأَنَّهُ قَائِدُهُمْ وَالْمُرْسَلُ لِفَائِدَتِهِمْ.

وَوَجْهُ اقْتِصَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَيْضًا أَنَّ طَرِيقَ نَجَاتِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنْدُهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِفِعْلٍ يَقْطَعُ دَابِرَ الْعَدُوِّ، وَهَذَا الْفِعْلُ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ فَلَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى يَدِ الرَّسُولِ. وَهَذَا وَجْهُ اخْتِلَافِ الْمَعِيَّةِ بَيْنَ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التَّوْبَة: ٤٠] لِأَنَّ تِلْكَ مَعِيَّةُ حِفْظِهِمَا كِلَيْهِمَا بِصَرْفِ أَعْيُنِ الْأَعْدَاءِ عَنْهُمَا، وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ