[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٧٨]
قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨)
الْكَلَامُ عَلَى جُمْلَةِ: قالُوا أَجِئْتَنا مِثْلُ الْكَلَامِ عَلَى جُمْلَةِ: قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ [يُونُس: ٧٧] .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَجِئْتَنا إنكاري، بَنَوْا إِنْكَارَهُمْ عَلَى تَخْطِئَةِ مُوسَى فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَعَلَى سُوءِ ظَنِّهِمْ بِهِ وَبِهَارُونَ فِي الْغَايَةِ الَّتِي يَتَطَلَّبَانِهَا مِمَّا جَاءَ بِهِ مُوسَى. وَإِنَّمَا وَاجَهُوا مُوسَى بِالْخِطَابِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ الَّذِي بَاشَرَ الدَّعْوَةَ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ، ثُمَّ أَشْرَكَاهُ مَعَ أَخِيهِ هَارُونَ فِي سُوءِ ظَنِّهِمْ بِهِمَا فِي الْغَايَةِ من عملهما.
ولِتَلْفِتَنا مُضَارِعُ لَفَتَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ مُتَعَدِّيًا: إِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى شَيْءٍ مُقَابِلٍ لِوَجْهِهِ. وَالْفِعْلُ الْقَاصِرُ مِنْهُ لَيْسَ إِلَّا لَا لمطاوعة. يُقَالُ: الْتَفَتَ. وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي التَّحْوِيلِ عَنِ الْعَمَلِ أَوِ الِاعْتِقَادِ إِلَى غَيْرِهِ تَحْوِيلًا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ نَظَرٌ إِلَى مَا كَانَ يَنْظُرُهُ، فَأَصْلُهُ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ ثُمَّ غَلَبَتْ حَتَّى صَارَتْ مُسَاوِيَةَ الْحَقِيقَةِ.
وَقَدْ جمعت صلَة عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا كُلَّ الْأَحْوَالِ الَّتِي كَانَ آبَاؤُهُمْ مُتَلَبِّسِينَ بِهَا. وَاخْتِيرَ التَّعْبِيرُ بِ وَجَدْنا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنهم نشأوا عَلَيْهَا وَعَقَلُوهَا، وَذَلِكَ مِمَّا يُكْسِبُهُمْ تَعَلُّقًا بِهَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ أَحْوَالَ آبَائِهِمْ وَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُهُمْ تَعَلُّقًا بِهَا تَبَعًا لِمَحَبَّةِ آبَائِهِمْ لِأَنَّ مَحَبَّةَ الشَّيْءِ تَقْتَضِي مَحَبَّةَ أَحْوَالِهِ وَمُلَابَسَاتِهِ.
وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا عِنْدَهُمْ صَوَابٌ وَحَقٌّ لِأَنَّهُمْ قَدِ اقْتَدَوْا بِآبَائِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف: ٢٣] . وَقَالَ عَنْ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-:
قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الْأَنْبِيَاء: ٥٣، ٥٤] ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute