للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة مُحَمَّد (٤٧) : آيَة ٣٠]

وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠)

وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ.

كَانَ مَرَضُ قُلُوبِهِمْ خَفِيًّا لِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي كِتْمَانِهِ وَتَمْوِيهِهِ بِالتَّظَاهُرِ بِالْإِيمَانِ، فَذكر الله لنبيئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَأَطْلَعَهُ عَلَيْهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا فَيَعْرِفُ ذَوَاتَهُمْ بِعَلَامَاتِهِمْ.

وَالسِّيمَى بِالْقَصْرِ: الْعَلَامَةُ الْمُلَازِمَةُ، أَصْلُهُ: وِسْمَى بِوَزْنِ فِعْلَى مَنِ الْوَسْمِ وَهُوَ جَعْلُ سِمَةٍ لِلشَّيْءِ، وَهُوَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ. فَهُوَ مِنَ الْمِثَالِ الْوَاوِيِّ الْفَاءُ حُوِّلَتِ الْوَاوُ مِنْ مَوْضِعِ فَاءِ الْكَلِمَةِ فَوُضِعَتْ فِي مَكَانِ عَيْنِ الْكَلِمَةِ وَحُوِّلَتْ عَيْنُ الْكَلِمَةِ إِلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ فَصَارَتْ سِوْمَى فَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٧٣] .

وَالْمَعْنَى: لَأَرَيْنَاكَ أَشْخَاصَهُمْ فَعَرَفْتَهُمْ، أَوْ لَذَكَرْنَا لَكَ أَوْصَافَهُمْ فَعَرَفْتَهُمْ بِهَا ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ شَاءَ ذَلِكَ وأراهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَنْ أَنَسٍ «مَا خَفِيَ عَلَى النَّبِيءِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ» ذَكَرَهُ الْبَغْوِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ بِدُونِ سَنَدٍ. وَمِمَّا يُرْوَى عَنْ حُذَيْفَةَ مَا يَقْتَضِي أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّفَهُ بِالْمُنَافِقِينَ أَوْ بِبَعْضِهِمْ، وَلَكِنْ إِذَا صَحَّ هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِإِجْرَائِهِمْ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الْإِسْلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ قَالَ هَذَا إِكْرَاما لرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُطْلِعْهُ عَلَيْهِمْ.

وَاللَّامُ فِي لَأَرَيْناكَهُمْ لَامُ جَوَابِ لَوْ الَّتِي تُزَادُ فِيهِ غَالِبًا. وَاللَّامُ فِي فَلَعَرَفْتَهُمْ تَأْكِيدٌ لِلَّامِ لَأَرَيْناكَهُمْ لِزِيَادَةِ تَحْقِيقِ تَفَرُّعِ الْمعرفَة على الإراءة.

وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ.

هَذَا فِي مَعْنَى الِاحْتِرَاسِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ مَفْهُومُ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ مِنْ عَدَمِ وُقُوع الْمَشِيئَة لإراءته إِيَّاهُمْ بِنُعُوتِهِمْ. وَالْمَعْنَى: فَإِنْ لَمْ نُرِكَ إِيَّاهُمْ بِسِيمَاهُمْ فَلَتَقَعَنَّ مَعْرِفَتُكَ بِهِمْ مِنْ لَحْنِ كَلَامِهِمْ بِإِلْهَامٍ يَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي علم رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ لَحْنِ كَلَامِهِمْ