وَمَعْنَى (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِمَعْنَى التَّحَقُّقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] ، أَيْ تَحَقَّقَ، أَيْ سَوْفَ تَتَحَقَّقُ أَخْبَارُ الْوَعِيدِ الَّذِي تَوَعَّدَهُمْ بِهِ الْقُرْآنُ الَّذِي كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي سَوْفَ تَبْلُغُهُمْ أَخْبَارُ اسْتِهْزَائِهِمْ بِالْقُرْآنِ، أَيْ أَخْبَارُ الْعِقَابِ عَلَى ذَلِكَ. وَأُوثِرَ إِفْرَادُ فِعْلِ «يَأْتِيهِمْ» مَعَ أَنَّ فَاعِلَهُ جَمْعُ تَكْسِيرٍ لِغَيْرِ مُذَكِّرٍ حَقِيقِيٍّ يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ
لِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَخَفُّ فِي الْكَلَامِ لِكَثْرَة دورانه.
[٧- ٩]
[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ٧ إِلَى ٩]
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩)
الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ [الشُّعَرَاء: ٥] فَالْهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مِنْهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى وَاوِ الْعَطْفِ لَفْظًا لِأَنَّ لِلِاسْتِفْهَامِ الصَّدَارَةَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا تُغْنِي فِيهِمُ الْآيَاتُ لِأَنَّ الْمُكَابَرَةَ تَصْرِفُهُمْ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي الْآيَاتِ، وَالْآيَاتُ عَلَى صِحَّةِ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ قَائِمَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُمْ قَدْ عَمُوا عَنْهَا فَأَشْرَكُوا بِاللَّهِ، فَلَا عَجَبَ أَنْ يَضِلُّوا عَنْ آيَاتِ صِدْقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَوْنُ الْقُرْآنِ مُنَزَّلًا مِنَ اللَّهِ فَلَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُتَطَلِّعِينَ إِلَى الْحَقِّ بَاحِثِينَ عَنْهُ لَكَانَ لَهُمْ فِي الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِّرُوا بِهَا مَقْنَعٌ لَهُمْ عَنِ الْآيَاتِ الَّتِي يَقْتَرِحُونَهَا قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ [الْأَعْرَاف: ١٨٥] ، وَقَالَ: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [يُونُس: ١٠١] أَيْ عَنْ قَوْمٍ لَمْ يُعِدُّوا أَنْفُسَهُمْ لِلْإِيمَانِ.
فَالْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْوَاعُ النَّبَاتِ دَالَّةٌ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا الصُّنْعَ الْحَكِيمَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ وَاحِدٍ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ، وَدَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ لِأَنَّ الْإِنْبَاتَ بَعْدَ الْجَفَافِ مَثِيلٌ لِإِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ بَعْدَ رُفَاتِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها [يس: ٣٣] . وَهَذَا دَلِيلٌ تَقْرِيبِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute