ذَلِكَ الْإِنْكَارَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْوَعِيدِ. وَهَذَا خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوَعُّدِ. وَكِتَابَةُ الشَّهَادَةِ كِنَايَةٌ عَن تحقق الْعقَاب عَلَى كَذِبِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ
[الزخرف: ٤] وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَنَكْتُبُ مَا قالُوا [آل عمرَان: ١٨١] . والسّين فِي سَتُكْتَبُ لِتَأْكِيدِ الْوَعِيدِ.
وَالْمُرَادُ بِشَهَادَتِهِمْ: ادِّعَاؤُهُمْ أَن الْمَلَائِكَة إِنَاثًا، وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا شَهَادَةً تَهَكُّمًا بِهِمْ.
وَالسُّؤَالُ سُؤَالُ تَهْدِيدٍ وَإِنْذَارٍ بِالْعِقَابِ وَلَيْسَ مِمَّا يُتَطَلَّبُ عَنْهُ جَوَابٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر: ٨] ، وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
لَذَاكَ أَهْيَبُ عِنْدِي إِذْ أُكَلِّمُهُ ... وَقِيلَ إنّك مَنْسُوب ومسؤول
أَي مسؤول عَمَّا سَبَقَ مِنْكَ مِنَ التَّكْذِيبِ الَّذِي هُوَ مَعْلُوم للسَّائِل.
[٢٠]
[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٢٠]
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف: ٩] ، فَإِنَّهَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى أَنَّ مَعْبُودَاتِهِمْ غَيْرُ أَهْلٍ لِأَنْ تُعْبَدَ. فَحُكِيَ هُنَا مَا اسْتَظْهَرُوهُ مِنْ مَعَاذِيرِهِمْ عِنْدَ نُهُوضِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ يَرُومُونَ بِهَا إفحام النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ فَيَقُولُونَ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا الْأَصْنَامَ، أَيْ لَوْ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ أَنْ نَعْبُدَهَا لَكَانَ اللَّهُ صَرَفَنَا عَنْ أَنْ نَعْبُدَهَا، وَتَوَهَّمُوا أَنَّ هَذَا قَاطِعٌ لجدال النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ دِينِهِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْحَوَادِثِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهُ.
فَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي مَا عَبَدْناهُمْ عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ وَمِنْ ذِكْرِ فِعْلِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَهُمُ الْغَالِبُ، وَأَقْوَامٌ مِنْهُمْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ قَالَ تَعَالَى: بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ [سبأ: ٤١] .
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ، وَأَقْوَامٌ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ مِثْلَ بَنِي مُلَيْحٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَهُمْ حَيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ. فَضَمِيرُ جَمْعِ